تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
92346 مشاهدة
من يعقد الجزية

ولا يعقدها أي: لا يصح عقد الذمة إلا من إمام أو نائبه ؛ لأنه عقد مؤبد فلا يفتات على الإمام فيه، ويجب إذا اجتمعت شروطه.


لا يعقد الجزية مع أهل الكتاب إلا الإمام أو نائبه والمراد بالإمام: الملك الذي تدين له البلاد التي فيها أولئك الكتابيون فيعقدها معهم أو يوكل نائبا يعقدها معهم؛ وذلك لأن هذا العقد مؤبد؛ ما داموا يبذلون الجزية فإنهم يبقون تحت هذا العقد، فإذا منعوا الجزية أو منعوا أن يدينوا بأحكام الإسلام انتقض عهدهم وحل قتالهم، ثم ما داموا مستمرين في بذل الجزية فإنهم يبقون تحت هذا الحكم ولو مائة سنة أو مئات السنين.
فلما كان هذا عقد يستمر، اشترط أن يتولى عقده الإمام أو وكيله في تلك الجهة؛ نائبه في تلك الجهة، وإذا تمت شروطه؛ إذا مثلا وجد ناس من أهل الكتاب في ولاية من الولايات، مدينة من المدن، متمسكون بكتابهم وطلبوا من الإمام أن يعقد لهم الذمة وأن يكونوا من أهلها والتزموا بما يلزمهم في ذلك، التزموا بأحكام الإسلام، فإنهم يعقد لهم، يجب عقده؛ وذلك بتمام شروطه.