إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
88836 مشاهدة
إذا تجسس الذمي أو آوى جاسوسا أو قطع طريق المسلمين

أو تعدى بقطع طريق أو تجسيس أو إيواء جاسوس.


هذه أيضا من النواقض:
قطع الطريق: هم الذين يجلسون في الطرق، ومن مر بهم من عابري السبيل قاتلوه، فإما أن يقتلوا مسلما، وإما أن يأخذوا مالا، وإما أن يجمعوا بين الأمرين؛ القتل وأخذ المال، وإما أن يقطعوا طرفا من مسلم، وإما أن يشجوا مسلما، أو يجرحوه في بعض أعضائه، وإما أن يخيفوا المارة، ويكون من مر من على هذا الطريق حذرا؛ يأخذ معه أهبته وعدته، فالحاصل أنه إذا تعدى بقطع طريق انتقض عهده؛ وذلك لأنه فعل ما فيه ضرر على المسلمين.
وكذلك إذا تجسس؛ والجاسوس هو العين الذي ينقل أخبار المسلمين لأعدائهم، الذي يتتبع أخبار المسلمين كذخائرهم ومجتمعهم ومدخراتهم وما أشبهها، ويكتب بها إلى الكفار ويقول: إذا أتيتم فإنكم تجدونهم مجتمعين في المكان الفلاني وعندهم من الذخائر كذا وكذا.
لا شك أن هذا التجسس ضرر على المسلمين؛ فإذا ثبت أن هذا الذمي صار جاسوسا للكفار انتقض عهده وحل دمه وماله، وهكذا لو آوى جاسوسا، ولو من المسلمين: لو أن الكفار اتخذوا جاسوسا من المسلمين، وهذا الذمي صار يؤويه إليه ويحميه، ويدله على بعض الأخبار أو نحو ذلك، أو جاسوسا من غير المسلمين. فالحاصل أنه إذا صدرت منه هذه الأشياء التي فيها ضرر على المسلمين انتقض عهده. نعم.