لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
112409 مشاهدة print word pdf
line-top
إذا انتقص الذمي الله أو الرسول

أو ذكر الله أو رسوله أو كتابه أو دينه بسوء انتقض عهده؛ لأن هذا ضرر يعم المسلمين.


لا شك أن هذا أكبر ضرر، ولأنه -كما يأتينا إن شاء الله في باب الردة- يحصل به الارتداد للمسلم فكيف بغير المسلم، فإن من ذكر الله تعالى بسوء؛ حكم بردته. إذا تنقص الله حكم بردته، وكذلك إذا تنقص النبي صلى الله عليه وسلم، أو تنقص القرآن، أو تنقص دين الإسلام، أو تنقص حملة الدين؛ المسلمين ونحوهم، والتنقص يكون مثلا باستهزاء أو تهكم أو سخرية أو عيب أو سلب. يعني: ما يظهر منه أنه لا يعظم هذه الأشياء ولا يعترف بأحقيتها.
وقد كفر الله تعالى المستهزئين في قوله تعالى في المنافقين: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كفرهم بعد إيمانهم، وفي القصة أنهم أو قائلا منهم قال: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء؛ أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، وهو يعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته لم يذكر الله تعالى ولا دينه، ولكن استهزأ بالنبي صلى الله عليه وسلم وبحملة القرآن، وذكر أن همهم بطونهم، وأنهم يكذبون أكذب من غيرهم، وأنهم جبناء عند اللقاء، فهذه المقالة ذكر أنه قالها على وجه التحدث.
واعتذر بقوله: إنما كنا نخوض ونلعب، إنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، ومع ذلك لم يعذر؛ كفره الله وكفر الذين أقروه والذين ضحكوا من مقالته معجبين بها، وكان عنده رجل من الصحابة وهو عوف بن مالك فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد القرآن قد سبقه.
وهكذا أنزل الله تعالى فيهم وفي أمثالهم قوله تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ يسخرون من المتطوعين؛ فالذين يتمسخرون من المتطوعين؛ أهل التطوع سواء تطوعا بصدقة أو بصلاة، أو تطوعا مثلا بإظهار سنة وترك بدعة، يعتبر هؤلاء من المستهزئين يدخلون في هذه الآية: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقد ذكر الله أيضا السخرية بأهل الخير في عدة آيات مثل قوله تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ؛ هذا في الذين كفروا، فيدخل فيهم كل كافر، أو قد يؤخذ منه أن الذين يسخرون من الذين آمنوا يعتبرون كفارا، ومثل قوله تعالى مخاطبا لأهل النار: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا اتخذتموهم سخريا يعني: مسخرة. يعني: أخذتم تتنقصونهم وتعيبونهم وتقدحون في عقولهم وتستصغرون شأنهم وترمونهم بالتقهقر وبالتأخر وبالجمود وبالغلو وبالتزمت وبالرجعية وما أشبه ذلك مما هو مستعمل على كثير من ألسن هؤلاء العلمانيين ونحوهم، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي يعني: اشتغلتم بذكرهم عن ذكري، وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ضحك استهزاء.
ومثل هذا أيضا ما حكى الله تعالى عن أهل النار بعد أن دخلوها وصاروا يعذبون فيها، قال تعالى: وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ يقولون: أين أولئك الذين نعدهم من الأشرار، ونسخر منهم في الدنيا؟ يريدون المؤمنين، ما لنا لا نراهم معنا؟
ومثلها ما ذكر الله بآخر سورة المطففين: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ إلى آخر السورة، فكل ذلك ونحوه دليل على أن السخرية بالله أو برسوله أو بشيء من شرعه أو بحمَلة شرعه تعتبر كفرا وردة، وتعتبر من الذمي نقضا للعهد، وما ذلك إلا لما فيها من التنقص الذي يدل على عدم الإيمان، أو يدل على عدم الاحترام.
فالذمي إذا سب الله تعالى، سواء في تصرفه مثل قولهم: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ومثل قولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ يعني: عن النفقة، ومثل ما يصدر من كثير من المتمسخرين في كلمات نابية تقشعر منها الجلود فيما يتعلق بتصرف الله تعالى وبتدبيره وبعطائه وبقسمته العطاء بين عباده نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ يعني: يقول: هذا جور، ما عدل ربنا، الله ظلمنا حيث سلط علينا الفقر، لماذا لم نحصل على مثل فلان وفلان؟
هذا تصرف سيئ، أو يسبون شيئا من الأحكام ويقولون: شرعية هذه الصلاة، شرعيتها ضرر وشغل. الناس ينشغلون في أعمالهم وفي حرفهم، فتقطع عليهم هذه العبادة لذتهم أو أشغالهم وأعمالهم، وكذلك أيضا سبهم لبعض الأحكام؛ لماذا شرعت هذه الزكاة في أموالنا التي نكدح ونجمع ونجمعها، نحرص على جمعها ثم يأخذها منا من ليس بأهل، من ليس له حق، ومن لم يتعب ولم يجمعها؟ وما أشبه ذلك، أو ما فائدة هذا الحج؟ وما فائدة هذا الصوم؟ أو ما أشبه ذلك أو لماذا حُرم الربا؟! مع أنه كسب مال بدون إكراه وبدون ضرر؟
أو لماذا حرم الزنا مع كونه بين اثنين متراضيين ومتفقين كيف يكون حراما؟! وأشباه ذلك. إذا طعنوا في شيء من شرع الله تعالى أو طعنوا في القرآن فقالوا: إنه مختلف أو مفترى أو سحر أو كهانة أو شعر كما قال المشركون، أو تنقصوه بما يقولون فيه من اضطراب واختلاف وتناقض وعارضوه بمثل ما عارضه به المشركون؛ بقولهم: إن هذا إلا أساطير الأولين اكتتبها، أو ذكروا أنهم يقدرون على معارضته أو على أن يقولوا مثله أو نحو ذلك أو طعنوا في النبي صلى الله عليه وسلم وفي رسالته وقالوا: إنه رجل ذو حيلة وذو فكر وليس بنبي ولم ينزل عليه وحي، وأن هذه التشاريع التي شرعها أنها من قبل نفسه لم تكن من ربه ولم ينزل عليه ملك ونحو ذلك.
لا شك أن هذا كله اعتراض على الله تعالى واعتراض على شرعه وعلى من جاء به؛ فإذا صدرت منهم هذه السخرية بمثل هذه الأعمال اعتبر نقضا لعهدهم، كما أنها إذا صدرت من المسلم اعتبر مرتدا، وحل بذلك قتاله أو قتله. نعم.
..مش مناسبتها.
..هذا ذمي في بلادنا أو بين المسلمين أو معاهد في بلادهم إذا صاروا حربيين ما لنا عليهم سلطة.
..بين المسلمين، في بلاد المسلمين هذا لذميين أو معاهدين أو مستأمنين. يؤخذ عليهم العهد أنهم يلتزمون بأحكام الإسلام وبتقاليد المسلمين ولا يفعلون شيئا يخالف تعاليم الإسلام، فإذا فعلوا ذلك إذا خالفوا انتقض عهدهم، وأما مخاطبة الكفار بفروع الشريعة فلا مناسبة لها. أليس لأن الكفار يعموا الحربيين ويعموا غيرهم؟ والحربيون ليسوا ملزمين بشيء من تعاليم الإسلام ولا من فروع الشريعة.
..لا لا، حتى لو كانوا مخاطبين ما تقبل، ما تقبل منهم لفقد شرطها وهو الإسلام.
..يعني: تلحق بالسخرية؛ السخرية بالمسلمين أو تارة يكون قصده عيب هذا الشعار، فيكون هذا ردة، وتارة يكون عيبه لشخص معين: فلان ذو لحية طويلة ولم يُرَد بهذه اللحية يعني: التدين ما أراد بذلك إلا كذا وكذا، فمثل هذا لا يصل إلى الردة؛ لكونه إنما عاب شخصا، أما إذا استهزأ باللحية من حيث العموم. يعني: لماذا جاء الشرع بهذا بتوفير هذا الشعر؟ هذا الشعر الذي في الوجه قد يضايق صاحبه؟ الشرع أخطأ، الرسول أخطأ في قوله: أوفوا اللحى هذا ضرر من الشرع، لا فائدة في هذه اللحية.
تركها فيه تشيين للخلقة، وحلقها فيه تحسين للمنظر وللوجه وكذا وكذا، فإذا اعترض على الشرع في تقريره لشرعة أو لشعيرة من شعائر الإسلام اعتبر منتقض العهد أو مرتدا، وأما إذا كان عيبه لشخص أو لأشخاص معينين فلا يصل ذلك إلى حد الردة أو حد نقض العهد، ويعتبر مثل الغيبة للإنسان والنميمة به والقذف له ونحو ذلك، يمكَّن ذلك الذي اغتيب من الاقتصاص منه أو طلب حقه الخاص الذي هو حق خاص له.
والحاصل أنهم إذا استهزءوا بشعيرة من شعائر الإسلام؛ لأجل أن الإسلام أقرها كان هذا نقضا للعهد؛ كأن يستهزئوا بشرعية الزكاة أو بشرعية الصدقات أو بشرعية الأضاحي أو بشرعية الحج. لماذا يحج؟ ما فائدته؟ أو من شرعية دفن الأموات أو بشرعية تغسيلهم أو تكفينهم؛ قالوا: ما دام أنه مات لماذا لا يحرق؟ لا فائدة في دفنه أو نحو ذلك، فمثل هذا يعتبر اعتراضا على الإسلام من حيث هو فينتقض عهدهم، بخلاف ما إذا كان كلامه في شخص معين. نعم.

line-bottom