اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
شرح نظم البرهانية
77528 مشاهدة
من ذهب إلى توريث الأشقاء في المسألة المشركة

وأما الشافعية -ومنهم صاحب الرحبية، وصاحب البرهانية- فإنهم يورثون الأشقاء مع الإخوة لأم؛ ولهذا يسمون المسألة المشرَّكة أو المشتركة؛ فيقولون: نعطي الإخوة من الأم والإخوة الأشقاء الثلث، يشتركون فيه.
ويقولون: إنهم جميعًا اشتركوا في القرابة؛ القرابة التي قربت الإخوة من الأم هي أمهم، فقد شاركوهم فيها فصاروا مثلهم بقطع النظر عن أبيهم. أمهم التي وردت هؤلاء قد وردت هؤلاء، فيكونون كلهم في رتبة واحدة، وهي القرابة من الأم؛ ولهذا قالوا: هب أن أبانا كان حمارًا أليست أمنا واحدة؟ وكذلك قالوا: هب أن أبانا حجرًا في اليم، يعني: ليس له تأثير، الأم التي وردوا بها نحن وردنا بها.
ويقول العلماء، -ومنهم ابن كثير في التفسير؛ لأنه شافعي يقول أو ينقل- إن لم يزدهم الأب قربًا لم يزدهم بعدًا. لا شك أن قرابة الأب تقويهم، فكيف تضعفهم؟ وكيف يحرمون مع أن أباهم واحد؟ الأب الذي أدلى به، يعني: أن أمهم واحدة، فأمهم جمعتهم، فالأب لا يزيدهم إلا قوة، ولا يزيدهم إلا قرابة، فيكونون أولى أن يورثوا. إن لم يزدهم الأب قربًا لم يزدهم بعدًا. هذا هو الذي اختاره الناظم، واختاره زيد بن ثابت الصحابي المشهور يختار أنهم يورثون، وهو القول الأخير لعمر ... لما قالوا: هب أن أبانا كان حمارا. فالشافعية يرون أنهم يشتركون، وأما الحنابلة فيرون أنهم يسقطون.
إذا نظرنا في التعليل؛ فقول الشافعية أقرب للتعليل -العلة- وإذا نظرنا في الدليل والنصوص؛ فقول الحنابلة أقوى في الدليل؛ يعني: عملاً بظاهر الأحاديث وبظاهر القرآن، ولكل اجتهاده. في النظر وفي التقادير وفي التعاليل التشريك أولى، وأما إذا نظرنا في ظاهر الحديث فالإسقاط هو الذي تقتضيه الأدلة. لو كان بدل الأم جدة ما تغير الحكم؛ لأن الجدة ترث السدس. فإذا كانت الأم مفقودة والجدة موجودة سواء جدة أم أب، أو جدة أم أم فإن الحكم واحد إذا كان عندنا إخوة أشقاء وإخوة لأم وجدة وزوج، فالجدة لها السدس، والزوج له النصف، والإخوة من الأم لهم الثلث، ويسقط الإخوة الأشقاء أو يشاركون الإخوة من الأم. هذا باب المشركة.