إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شرح نظم البرهانية
68326 مشاهدة
الحق الثاني: الديون المتعلقة بعين التركة

بعد ذلك الديون المتعلقة بعين التركة. مثال ذلك: إذا كان له بيت يسكنه؛ لكنه مرهون، الذي رهنه قد قبض وثيقته، فهذا الدين الذي للراهن مقدم على الإرث، ومقدم على بقية الديون. وكذلك لو كانت سيارته مرهونة لمن باعه؛ فإن ثمنها يقدم به وفاء ذلك الراهن؛ لأن هذا الدين متعلق بهذا البيت، ومتعلق بهذه السيارة. وهكذا بقية الأشياء التي ترهن، إذا كان -مثلًا- قد رهن سلاحه، عنده أسلحة قد رهنها عند إنسان في دين، وهناك آخرون يطالبونه بديون؛ ولكن ليس لهم رهن؛ فبعنا هذا السلاح، نقدم صاحب الدين الذي هو الراهن، وإن بقي شيء منه أعطيناه بقية الغرماء؛ الذين ليس لهم رهن.
كذلك الجاني إذا كان في التركة عبد قد جنى -يعني- اعتدى، هذا العبد يقدم المجني عليه بثمنه، إذا كان -مثلًا- قد جرح إنسانًا، قد قطع إصبعه، قد شج إنسانا في رأسه. الشجة هي: الضربة التي في الرأس. والجرح هو: الضرب الذي يكون في البدن. فإذن.. يباع العبد إذا كان هناك غرماء؛ فيقدم صاحب الشجة، وصاحب الجرح، وصاحب الإصبع -مثلًا- وبقية ثمنه يقسم على أصحاب الديون إن بقي شيء. هذه ديون تتعلق بعين التركة. هذا أول ما يبدأ بها بعد مئونة التجهيز.
فإذا قدم أصحاب الرهن وأصحاب الجنايات.