قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح نظم البرهانية
68839 مشاهدة
كيفية توريث الخنثى

...............................................................................


أما الباب الذي بعده، ذكر فيه ميراث الخنثى المشكل ، والحمل، والمفقود. أو يقول: إنه عند القسم يبنى على اليقين، يبنى على الأقل، من باب الاحتياط.
الخنثى يوجد -وإن كان قليلًا ونادرًا- يوجد إنسان متولد بين أب وأم؛ ولكن يشكل أمره، هل هو ذكر أم أنثى؟ بلا شك أنه في نفس الأمر إما ذكر أو أنثى؛ لأن الله تعالى قسم نوع الإنسان؛ لقوله تعالى: فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فليس هناك قسم ثالث؛ لكن قد يشكل أمره علينا، وإن كان في نفس الأمر ليس إلا واحدًا من النوعين.
ثم ذكروا أنه قسمان: قسم له ذكر وفرج؛ يعني ذكر رجل، وفرج امرأة. فيشكل.. ففي هذه الحال ينظر من أيهما يبول؟ كما قيل: إن أحد العلماء سئل فتحير ماذا نفتي فيه، وعرض أمره على ابنة له فقالت: ألحق الحكم المبال. يعني - ينظر فإذا كان يبول من الذكر فهو رجل، وإذا كان يبول من الفرج فهو أنثى، فإن كان يبول منهما معًا ينظر أسبقهما، إذا كان أسبقهما الذكر فهو رجل، فإذا كان يخرج البول منهما معًا ينظر أكثرهما، أكثرهما الذي يخرج منه، فيلحق به، فإذا كان سواء، يخرج البول من الفرج ومن الذكر، ويخرج سواء، وينقطع سواء.
..يعني: قد يكون الأضر عليهم أن يكون ذكرا، فيعاملونهم بالأضر، ويكون الأضر عليه أن يكون أنثى ويُوقف الباقي، فإذا كان مثلاً: له أخوان وهو ثالث. الأضر عليهم أن يكون ذكرا، فيأخذان الثلثين. الأضر عليه هو أن يكون أنثى؛ ففي هذه الحال يأخذ هو الخمس، فتجعل مسألة الذكورية من ثلاثة، ومسألة الأنوثية من خمسة، وبين المسألتين مباينة. تضرب الثلاثة في خمسة فتكون من خمسة عشر؛ فالذكر له واحد في خمسة بخمسة، وكذا الآخر له خمسة في خمسة، وأما هذا الخنثى فله واحد من مسألة الأنوثية مضروب في ثلاثة بثلاثة، ويبقى اثنان، يبقى اثنان يوقفان إلى أن يتبين أمره، فإن اتضح أنه أنثى رددت هذين الاثنين على الأخوين؛ ليكون لهذا ستة، ولهذا ستة، وللأنثى ثلاثة. لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فإن تبين أنه رجل أخذ الاثنين، حتى يكون له خمسة مثل ما لأخويه. هذه مسألة ذكورية، ومسألة أنوثية.
كذلك معلوم أن الخنثى ما يكون أبًا ولا جدا ولا زوجا ولا زوجة ولا أبا ولا أما، إنما يكون في الأولاد، ويكون في الإخوة، ويكون في الأعمام، ويكون في الولاء؛ لأنه لو كان أبًا، أو أمًّا لكان واضحًا، وكذا لو كان زوجًا أو زوجة؛ فعلى هذا قالوا: يبنى على الأقل. إذا بلغ فإنه يتبين، يتبين عادة. هل هو رجل أم امرأة؟ يتبين بنبات شعر وجهه مثلاً رجلا أو امرأة، المرأة يتبين بتفلق ثدييها إذا بلغت، أو قاربت البلوغ، وقد يتضح أيضًا أمره.
ذكر ابن كثير في التاريخ أنه أدرك رجلاً قد كان أنثى، ثم بعد البلوغ تبين أنه رجل، يقول: كان قد تعلم ما يتعلمه النساء في أول أمره تعلم النقوش، وتعلم الخياطة والزركشة، وما أشبه ذلك، ثم لما بلغ تبين أنه رجل. يعني: خرج له ذكر، وانسد ما كان شبيهًا بالفرج؛ فاتضح أنه رجل. يحس بما يحسه الرجل من الشهوة، ونحو ذلك؛ فيتبين غالبًا عند الكبر، عند البلوغ.
ففي هذه الحال إن قسموا قبل البلوغ، بنوا على اليقين، أعطوا كل واحد منهم ما يستحقه باليقين، وعاملوا الخنثى بالأضر، فمن يسقط منهم لا يعطى شيئًا، كما لو كان لهذا الميت ولد خنثى. لا يدرى هل هو ذكر أم أنثى؟ وله مثلاً ابن ابن، أو بنات ابن، فمعلوم أن ابن الابن ما يرث إذا كان هذا الخنثى رجلا، فإذا كان أنثى فلا ترث إلا النصف؛ فنعطيه النصف، ونقف النصف الباقي. إن اتضح أنه أنثى أعطيناه ابن الابن، وإن اتضح أنه ذكر رددناه عليه.
كذلك مثلاً إذا كان هذا الخنثى مثلاً؛ إذا كان أخا، أخا شقيقا، وهناك ابن أخ شقيق. هذا الخنثى إن كان أنثى فليس له إلا النصف. الأخت الشقيقة، وإن كان ذكرًا أخذ الجميع؛ فلا يعطى ابن الأخ شيئا، وهذا الخنثى يأخذ النصف إلى أن يتبين أمره؛ فإن تبين أنه رجل أخذ النصف الموقوف، وإن تبين أنه أنثى أعطي لابن الأخ وهكذا.