تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح نظم البرهانية
68348 مشاهدة
إذا كان الغالب على المفقود الحكم بموته

الحالة الثانية: أن يكون الغالب عليه الموت. يحدث قديمًا أن بعض السفن تنكسر، وهي في لجة البحر، وإذا انكسرت السفينة تفرق الذين فيها؛ هؤلاء يركبون على لوح اثنان ثلاثة خمسة على لوح، وهؤلاء يغرقون، وهؤلاء يركبون على لوحين، وقد تدور بهم هذه الألواح في البحر شهرًا أو نصف شهر، أو أياما متتابعة، ولا يدرى من حيي ممن مات، فهذا الذي هؤلاء يأتي الخبر؛ أن جزءا من السفينة وصل إلى الساحل والذين عليه، فيقولون: معنا فلان وفلان وفلان، ولا ندري هل ماتوا؟ هل غرقوا؟ هل عاشوا؟ هل هم في وسط البحر في أحد الجزر التي في وسط البحر؟ فيكون مشكوكًا في حياته؛ ولكن الغالب الموت.
وكذلك –مثلاً- الذي يخرج من أهله ليلاً في ليلة مظلمة خروجًا عاديا، ثم لا يرجع، ولا يدرى أين هو، هل قتل؟ هل اغتيل؟ هل اختطف؟ هل سجن؟ لا يدرى أين هو. في هذه الحال أيضًا هذا يُنتظر تمام أربع سنين منذ فُقد؛ لأن في أربع السنين يتردد الناس في القرى وفي المدن التي حوله، ويبحث في السجون، ويبحث في البلاد الأخرى القريبة، ويُنظر وإذا مضت أربع سنين وهو لم يرجع قُسِم ماله. الغالب أنه قد مات، وكذلك أيضًا تنتظره زوجته أربع سنين فبعدها يقسم ماله، وتطلق زوجته.
حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصة ذكرها صاحب منار السبيل، وهو: أن رجلاً خرج من أهله ليلاً، ولم يرجع، وافتُقد، ولا يُدرى أين هو؟ وانتُظِر أربع سنين، وبعد الأربع السنين طلَّق امرأته عمر حكم بفسخها، وتزوجت، وبعد ذلك رجع؛ بعد أربع سنين، أو بعد خمس سنين، فسأله عمر أين كنت؟ فقال: استهوتني الشياطين؛ اختطفني الجن وأسروني، وبقيت عندهم أسيرًا، وفي هذا الوقت القليل غزاهم جن مسلمون فقاتلوهم، وتغلبوا عليهم، وهزموهم، ولما وجدوني عندهم قالوا: أنت مسلم. لا يحل لنا أن نقتلك، ولا أن نسبيك ونحن مسلمون؛ فلك الخيار: أن تبقى معنا، أو نردك إلى أهلك؟ يقول: فقلت: ردوني إلى أهلي، فأصبحت في طرف المدينة هكذا. يعني: غاب هذه المدة، يعني: دليل على أنه قد يختطف، يختطفه الجن؛ فلذلك ينتظر هذه المدة أربع سنين. في هذه المدة يعامل هو ومن معه من الورثة بالأضر. يعني: إذا مات -مثلاً- أحد أقاربه فيقدر أنه حي، ويعطى نصيبه، ويحفظ مع ماله الذي له، فإذا مضت المدة، ولم يرجع أعطيت لورثته كما إذا قسم ماله. يقسم ما أخذه من نصيبه إذا مات أبوه، أو ماتت أمه، أو مات أخ له أو أخت له أو عم أو نحوهم؛ فإذا ماتوا ورث منهم، فنصيبه يقبض، وينتظر به حتى تنتهي مدة الانتظار، ثم بعد ذلك يقدر أنه مات، ثم إذا قدر أنه مات فإنه والحال هذه يقسم على ورثته الموجودين؛ الذين هم على الوجود بعد مدة الانتظار. فهؤلاء قالوا: الناظم وغيره يقول: يبنى على اليقين. تقسم على الأقل واليقين. تعامل الغائب المفقود، وكذلك الحمل، وكذلك الخنثى بالأضر، وتعامل الموجودين من الورثة بالأضر، وتعطي كلا منهم اليقين، وإذا زال العذر أعطيت الباقين ما يستحقونه.