شرح لمعة الاعتقاد
المبتدعة يحتجون بأنهم يتبعون آباءهم
... يغلب عليها أنها من العبادات الضالة أو من الديانة المنسوخة أو ما أشبه ذلك؛ فلذلك فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: رسم> فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه متن_ح> رسم> يعني: إذا كان الأبوان من اليهود تهود أولادهم وصاروا مثلهم، وإن كانوا من النصارى تنصر أولادهم تبعا لهم، وإن كانوا من المجوس فكذلك يكونون مجوسا، وإن كانوا مشركين تربى أولادهم على ما كان عليه آباؤهم من الشرك، وكذلك المبتدعة ونحوهم كل منهم يتربى على ما تربى عليه آباؤه وأجداده من قبل؛ ولذلك يكون من حجتهم التمسك بسنة الآباء والأجداد، يقول الله تعالى يحكي عنهم أنهم يقولون: رسم> إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قرآن> رسم> أي: متبعون جاعلون آباءنا قدوة، رسم> إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ قرآن> رسم> يعني: على سنة وعلى طريقة، رسم> وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قرآن> رسم> أي: متبعون لهم سائرون على نهجهم، هكذا حكى الله عنهم، فيقتدون بآبائهم فيما كان عليه الآباء، إن كانوا من أهل السنة تبعوهم، وإن كانوا من أهل البدعة تبعوهم، وإن كانوا من أهل الطاعة تبعوهم، أو من أهل المعصية تبعوهم.
وهكذا إذا عرف بذلك أن هذه التبعية تكون على الخير وعلى الشر ولكن أسباب التغير التي تحدث في جنس بني آدم هي من وساوس الشيطان ودعاياته فإن أول ما تغير الخلق قبل إرسال نوح اسم> -عليه السلام- كان بسبب الشيطان؛ وذلك لأن قوم نوح لما مات فيهم رجال صالحون ذكر الله منهم خمسة رسم> وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا قرآن> رسم> لما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يصوروا تماثيلهم فلما صوروها كان قصدهم حسنا وهو أنهم إذا تذكروهم اجتهدوا في العبادة فعند ذلك بعدما طال عليهم العهد وجاء أبناؤهم قال لهم: إن آباءكم يعبدون هذه الصور فعبدوهم، لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم فكان هذا أول شرك حدث في العالم فبعث الله نوحا اسم> -عليه السلام- يجدد لهم دينهم؛ ولكن كثيرا منهم تمسكوا بما كان عليه الآباء والأجداد رسم> وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا قرآن> رسم> هكذا قالوا لأبنائهم ولأقوامهم: لا تتركوا آلهتكم؛ بل تمسكوا بما كنتم عليه وكانوا عليه آباؤكم وأسلافكم فإنهم أقرب إلى الصواب من هذا الذي يدعوكم إلى أن تتركوا ما كان عليه الآباء والأجداد، فلم يزالوا على ذلك إلى أن أغرقهم الله تعالى وأهلكهم بسبب تماديهم في الشرك وعدم تقبلهم للتوحيد.
وهكذا كل نبي من الأنبياء بعد نوح اسم> فإنهم دعوا إلى التوحيد الذي هو عبادة الله تعالى وإخلاص الدين له فبقوا يدعونهم إلى أن كذبهم من كذبهم وصدقهم من صدقهم فعند ذلك أهلك الله تعالى المكذبين ونجى أنبياءه وأتباعه من المؤمنين كما قال نوح اسم> -عليه السلام- رب رسم> وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم> فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قرآن> رسم> وهكذا مع كل نبي.
مسألة>