نعتقد أن القرآن منزل من الله تعالى وأنه غير مخلوق بل إنه كلام الله منه بدأ وإليه يعود.
منه بدأ: يعني هو الذي ابتدأ الكلام به هو الذي تكلم به فإن الكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدءا لا إلى من قاله مبلغا مؤديا؛ فأنت إذا قرأت قول الله تعالى عن فرعون فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى
تقول هذا كلام الله حكاه عن فرعون أن فرعون هو الذي قال: أنا ربكم الأعلى وأنه قال
مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي
فإذا حكيت الكلام عن القائل الأول قلت هذا كلام فلان.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل
قلنا هذا كلام لبيد ليس كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأن لبيد هو الذي ابتدأ هذه الكلمة فنسبت إليه.
وإذا قلت إنما الأعمال بالنيات
قلت هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولو أنك سمعته من غيره فإنه الذي ابتدأه فهو كلامه عليه الصلاة والسلام .
القرآن سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات فيه سور؛ قال تعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا
فسماها سورة وقال تعالى:
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ
فجعل المنزل سور واحدها سورة وقال تعالى:
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ
فأخبر بأنها سورة تنزل عليهم سورة، وقال تعالى:
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا
إلى قوله:
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
.
وكذلك قوله وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ
وغير ذلك يدل على أنه سور؛ وللإحصاء أنه مائة وأربع عشرة سورة منه سور طويلة كالبقرة؛ ومنه سور قصيرة كسورة
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
وسورة
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ
؛ ومنه ما هو بين ذلك وكل سورة لها مبدأ ولها منتهى.
وفي الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب من قصار المفصل –يعني- من السور القصيرة؛ وفي الفجر من طوال المفصل؛ -يعني- من السور الطويلة في المفصل؛ وكذلك ذكروا أنه كان يقرأ سورة طويلة.
وكذلك الصحابة بعده كانوا يقرءون سورا فالقرآن فيه سور محكمات والمحكم هو الذي ليس فيه خلل قال تعالى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ
وقال تعالى:
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ
–يعني- كل القرآن محكم –يعني- متقن ليس فيه خلل ولا نقص ولا عيب هذا معنى قوله:
مُحْكَمَاتٌ
.
وآيات بينات هكذا جاء القرآن قال تعالى: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
–يعني- في هذا القرآن (والآيات) هي في اللغة العلامات الآية هي العلامة والسورة في الأصل أو في اللغة هي الدليل ونحوه يقول شاعر العرب:
ألم تر أن الله أعطـاك سـورة | ترى كل ملك دونها يتذبــذب |