شرح لمعة الاعتقاد
اعتقاد أهل السنة في القرآن
نعتقد أن القرآن منزل من الله تعالى وأنه غير مخلوق بل إنه كلام الله منه بدأ وإليه يعود.
منه بدأ: يعني هو الذي ابتدأ الكلام به هو الذي تكلم به فإن الكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدءا لا إلى من قاله مبلغا مؤديا؛ فأنت إذا قرأت قول الله تعالى عن فرعون اسم> رسم> فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى قرآن> رسم> تقول هذا كلام الله حكاه عن فرعون اسم> أن فرعون اسم> هو الذي قال: أنا ربكم الأعلى وأنه قال رسم> مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي قرآن> رسم> فإذا حكيت الكلام عن القائل الأول قلت هذا كلام فلان.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال: رسم> أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد اسم> ألا كل شيء ما خلا الله باطل متن_ح> رسم> قلنا هذا كلام لبيد اسم> ليس كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأن لبيد اسم> هو الذي ابتدأ هذه الكلمة فنسبت إليه.
وإذا قلت رسم> إنما الأعمال بالنيات متن_ح> رسم> قلت هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولو أنك سمعته من غيره فإنه الذي ابتدأه فهو كلامه عليه الصلاة والسلام .
القرآن سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات فيه سور؛ قال تعالى: رسم> سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا قرآن> رسم> فسماها سورة وقال تعالى: رسم> وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ قرآن> رسم> فجعل المنزل سور واحدها سورة وقال تعالى: رسم> يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ قرآن> رسم> فأخبر بأنها سورة تنزل عليهم سورة، وقال تعالى: رسم> وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا قرآن> رسم> إلى قوله: رسم> وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قرآن> رسم> .
وكذلك قوله رسم> وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ قرآن> رسم> وغير ذلك يدل على أنه سور؛ وللإحصاء أنه مائة وأربع عشرة سورة منه سور طويلة كالبقرة؛ ومنه سور قصيرة كسورة رسم> قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قرآن> رسم> وسورة رسم> إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ قرآن> رسم> ؛ ومنه ما هو بين ذلك وكل سورة لها مبدأ ولها منتهى.
وفي الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب من قصار المفصل –يعني- من السور القصيرة؛ وفي الفجر من طوال المفصل؛ -يعني- من السور الطويلة في المفصل؛ وكذلك ذكروا أنه كان يقرأ سورة طويلة.
وكذلك الصحابة بعده كانوا يقرءون سورا فالقرآن فيه سور محكمات والمحكم هو الذي ليس فيه خلل قال تعالى: رسم> كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم> تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ قرآن> رسم> –يعني- كل القرآن محكم –يعني- متقن ليس فيه خلل ولا نقص ولا عيب هذا معنى قوله: رسم> مُحْكَمَاتٌ قرآن> رسم> .
وآيات بينات هكذا جاء القرآن قال تعالى: رسم> فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ قرآن> رسم> –يعني- في هذا القرآن (والآيات) هي في اللغة العلامات الآية هي العلامة والسورة في الأصل أو في اللغة هي الدليل ونحوه يقول شاعر العرب:
ألم تر أن الله أعطـاك سـورة | ترى كل ملك دونها يتذبــذب |
(والكلمة) هي القول المفرد اللفظة المفردة أو الجملة يطلق على الجملة أنها كلمة كما قال تعالى إخبارا عن الذي يتمنى يقول رسم> حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا قرآن> رسم> مع أنها جملة رسم> رَبِّ ارْجِعُون لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ قرآن> رسم> فحسبناها فإذا هي سبع كلمات يعني سبع قولات مفردة، ولكن الله جعلها كلمة فأصل الكلمة هي اللفظة التي تكتب حروفها مجتمعة.
(من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات) هكذا ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رسم> من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف متن_ح> رسم> يعني فجعل ألم ثلاثة حروف؛ وجعل فيها ثلاثين حسنة لمن قرأها؛ إذا قرأه فأعربه يعني قرأه وأتقنه وعرف لفظه ونطق به نطقا صحيحا ليس فيه اختلال وليس فيه غلط؛ فإن الله تعالى يثيبه على ذلك ويعطيه بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها.
(له أول وآخر) إذا قرأناه قلنا هذا كلام الله في المصحف أوله سورة الفاتحة وآخره سورة الناس؛ (وله أجزاء وأبعاض) جزأه الصحابة وجعلوه ثلاثين جزءا كل جزء محصور أول وآخر أجزاء وأبعاض يعني يقال –مثلا- سورة البقرة بعض من القرآن يعني جزء منه أو قسم منه متلو بالألسنة يقرؤه الناس قال تعالى: رسم> اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم> الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ قرآن> رسم> فهو متلو بالألسنة محفوظ في الصدور.
إذا اهتم به المسلم حرص على أن يحفظه؛ ورد في صفة هذه الأمة أن أناجيلهم في صدورهم –يعني- أنهم يحفظون القرآن في صدورهم ويسر الله تعالى حفظه لمن اهتم بذلك قال تعالى: رسم> وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ قرآن> رسم> فهو محفوظ في الصدور مسموع بالآذان إذا قرأه القارئ فإنه يسمع قال تعالى: رسم> وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ قرآن> رسم> فدل على أنهم يسمعونه بآذانهم وقال تعالى: رسم> وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ قرآن> رسم> فدل على أنه مسموع.
وقال تعالى: رسم> وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ قرآن> رسم> والسمع لا يكون إلا بالآذان يعني بالسمع الذي سماه الله تعالى سمعا في قوله: رسم> فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا قرآن> رسم> مكتوب في المصاحف: يعني كتبه الصحابة كلما نزل آية أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتبوها في موضع كذا اجعلوها في موضع كذا وكذا فكانوا يكتبونه.
ثم إنهم بعد موته صلى الله عليه وسلم كتبوه كله حتى لا يفقد منه شيء ثم في عهد عثمان اسم> كتب مرتبا على هذا الترتيب في المصحف ولم يزل الناس ينسخونه ويكتبونه بأيديهم ويطبعونه بعد وجود هذه المطابع ولا يتغير عن كونه كلام الله فيه محكم ومتشابه كما قال تعالى: رسم> مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ قرآن> رسم> يعني مرجعه رسم> وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ قرآن> رسم> .
(والمتشابه) هو الذي يشتبه على بعض الناس أو يشتبه وجه دلالته أو يشتبه أصل معناه الغيبي الذي لا يعلمه إلا الله وهو كيفيته التي أخفيت عنا.
فيه متشابه: قد يطلق المتشابه على المتماثل الذي يشبه بعضه بعضا كما قال تعالى: رسم> وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم> كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ قرآن> رسم> رسم> مُتَشَابِهًا قرآن> رسم> –يعني- يشبه بعضه بعضا في الجودة والقوة والأسلوب.
(فيه ناسخ ومنسوخ) آيات نزلت قديما لمناسبة ثم جاء بعدها ما ينسخها لمناسبة أخرى؛ ففيه آيات ناسخة وفيه منسوخة قال تعالى: رسم> مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم> وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ قرآن> رسم> فدل على أن الله تعالى نسخ منه آيات.
(وفيه خاص وعام) يعني فيه آيات على الخصوصية يخص بها قوم كالآيات التي نودي بها المؤمنون رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قرآن> رسم> وآيات عامة كالآيات التي خوطب بها الناس رسم> يَا أَيُّهَا النَّاسُ قرآن> رسم> فيقال هذه عامة وهذه خاصة.
( وفيه أمر ونهي) مثل قوله تعالى: رسم> إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ قرآن> رسم> رسم> إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ قرآن> رسم> ؛ أخبر بأنه يأمر وينهى ينهى عن الفحشاء والمنكر ففيه أوامر ونواهي رسم> لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ قرآن> رسم> –يعني- لا أحد يقدر على أن يطعن فيه ولا أن يأتي فيه بباطل بل هو حق رسم> لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ قرآن> رسم> –يعني- من أي وجه من الوجوه رسم> تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ قرآن> رسم> من الله تعالى وحده.
تحدى الله تعالى الناس أن يأتوا بمثله فعجزوا قال تعالى: رسم> فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ قرآن> رسم> فلم يقدروا وقال الله تعالى: رسم> قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا قرآن> رسم> ؛ لو اجتمعوا الإنس كلهم والجن كلهم وحاولوا أن يأتوا بقرآن مثل هذا القرآن لا يمكن رسم> لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا قرآن> رسم> –يعني- مساعدا وممدا لا يمكن أن يعارضوه ولا أن يأتوا بمثله.
تحداهم بعشر سور في قوله تعالى: رسم> أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ قرآن> رسم> فلم يقدروا وتحداهم بسورة رسم> وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ قرآن> رسم> ؛ ثم قال: رسم> فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا قرآن> رسم> دليل على عجزهم وأنه لا يمكنهم أن يأتوا بسورة من مثل سوره؛ فكل ذلك دليل على أنه كلام الله.
.. نتوقف عند قوله ( وهو هذا الكتاب العربي) ..
مسألة>