اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شرح لمعة الاعتقاد
219508 مشاهدة
صور الغلو في الأنبياء والصالحين

وقد خالف في ذلك كثير من هؤلاء الغلاة وأعطوه شيئا من حق الله تعالى، يوجد ذلك كثيرا في نظمهم ونثرهم، ولا يبالون بما ينكر عليهم وأشهر من عرف بشيء من الغلو: البوصيري صاحب البردة؛ فإنه قد وقع في شيء من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله:
فإن من جودك الدنيـا وضرتهـا
ومن علومك علم اللوح والقلـم
أي: جعل الدنيا والآخرة كلها بملكه، وجعله يعطي منها من يشاء ويمنع منها من يشاء، وهذا مخالف لقول الله تعالى: يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ومخالف لقوله: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ؛ فجعل الدنيا وضرتها يعني: الآخرة كلها من جوده من جود النبي صلى الله عليه وسلم وجعل من علومه جزءا من علومه علم اللوح، اللوح المحفوظ الذي كتب الله تعالى فيه كل شيء إلى أن تقوم الساعة، كل ذلك جزء من علومه، وهذا أيضا خطأ إنما يعلم ما علمه الله وما أطلعه عليه؛ فلذلك قال: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ .
فهؤلاء جعلوه يعلم كل شيء يعلم الأمور المغيبة، ويعلم ما في اللوح المحفوظ، وأدى بهم ذلك إلى الغلو فيه وطاعته أو عبادته مثل قوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ بـه
سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي
فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
إذا لم تأخذ بيدي وتنجيني؛ فإني قد زلت قدمي، من يأخذ بيدي ومن ينجيني من العذاب إلا أنت، ما لي من ألوذ به سواك وأشباه ذلك.