إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
الأجوبة الفقهية على الأسئلة التعليمية والتربوية
74114 مشاهدة
ظاهرة حلق اللحى أو أخذ شيء منها عند كثير من المدرسين


س 68: وسئل -حفظه الله- يتساهل بعض المدرسين بارتكاب بعض المخالفات الشرعية؛ معتقدًا أن ذلك سنة أو مكروه، ومن أبرز تلك المخالفات وأكثرها انتشار حلق اللحية أو أخذ شيء منها قل أو كثر ؛ علمًا بأنهم القدوة والمربون، فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟ نرجو بسط القول في هذه المخالفة، مع ذكر الأدلة وكلام بعض أهل العلم في ذلك.
فأجاب: اللحية هي الشعر النابت على اللحيين وعلى الذقن الذي هو أسفل الوجه، وهذا الشعر أنبته الله -تعالى- في الرجل دون المرأة، فاللحية ميزة الرجال، وهي الفارقة بين الرجل والمرأة، كما أنها زينة وجمال وهيبة ووقار؛ ولذلك جعل إعفاؤها من خصال الفطرة، كما في الصحيح عن عائشة وقد ثبت في الصحيح قول النبي -صلى الله عليه وسلم- قصوا الشوارب، وأعفوا اللحى ؛ أي: اتركوها حتى تعفو؛ أي تكبر وتكثر، وكذا في حديث آخر قال: أحفوا الشوارب ووفروا اللحى ؛ أي: أبقوها واتركوها وافرة، وفي آخر: أرجئوا اللحى ؛ أي: أخروها وأطيلوها، وفي لفظ: أوفوا اللحى ؛ أي: اتركوها وافية، والمعنى تركها معافاة وعدم التعرض لها بقص أو حلق أو نتف.
ولا شك أن اللحية في الرجل جعلت زينة وجمالًا وبهاء وكمالا، ومن استقذرها واستثقلها فقد انعكست فطرته واستحسن القبيح، وقد ابتلينا في هذه الأزمنة بكثرة من يحلقها ويقصرها، وسبب ذلك كثرة هذا الفعل في الوافدين من النصارى ونحوهم، فخيل إلى بعض الناس أن هذا يعد تقدمًا ورقيًّا وثقافة علمية، وأن هؤلاء المفكرين أتم عقولا من المسلمين؛ فحملهم هذا الخيال على تقليدهم واتباعهم، ولا شك أن هذا من التقليد الأعمى ومن التشبه المنهي عنه، ومن محاكاة المجوس وأتباعهم؛ فقد ورد أن اثنين من المجوس دخلا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد وفّرا شواربهما وحلقا لحاهما، وقالا: أمرنا بذلك ربنا؛ أي: كسرى، فقال -صلى الله عليه وسلم- لكن ربي أمرني بإعفاء اللحية وقص الشارب .
فأما احتجاج البعض بأن ابن عمر كان يقص ما زاد على القبضة من لحيته فهذا الفعل لم يفعله إلا بعد التحلل من الإحرام، وتأول قوله -تعالى- مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ فأحب أن يجمع بين الحلق للرأس والتقصير للوجه، ورآه من الرأس، وخالفه في ذلك بقية الصحابة، فكانوا لا يتعرضون للحية لا بحلق ولا بتقصير، لكن المستحب أن يجمل لحيته بالمشط والتسريح والتحسين حتى لا تكون متلبدة تشوه المظهر، والله أعلم.