إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
shape
كتاب الروض المربع الجزء الأول
141211 مشاهدة print word pdf
line-top
الإسراع بالجنازة

ويسن الإسراع بها دون الخبب لقوله عليه السلام: أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم متفق عليه .


فهم كثير من الفقهاء أن هذا الحديث دليل على الإسراع؛ يعني: إذا حملوها فإنهم يسرعون، ولا يصل الإسراع إلى الخبَب الذي هو السعي -السعي الشديد- بل سرعة المشي, سرعة السير وإن لم يكن سعيا, هكذا فهموا من هذا الحديث. فيقولون: المشي رويدا مكروه, والسعي الذي يصل إلى الخبب مكروه، والإسراع -وهو وسط- هذا هو المستحب. لكن المتبادر من الحديث أنه في حثهم على التجهيز, أسرعوا بالجنازة, يعني بتجهيزها؛ وذلك لأنه علل بقوله تضعونه عن رقابكم ومعلوم أنه ليس كل الذين يهمهم أمر الميت, ليسوا يحملونه، إنما قد يحمله مثلا أربعة أو يحمله عشرة، والبقية لا يحملونه, فكيف قال: تضعونه عن رقابكم وهم لا يحملونه؟! ولم يقل: يضعه بعضكم, أو يضعه مَن حمله عن رقبته؛ فدل على أن المراد: التجهيز؛ أي: أسرعوا بتجهيز الجنائز, ولا تؤخروه.
فإنها إذا كانت صالحة قدمتموها إلى خير وهو ما تلقاه في البرزخ، وإذا كانت غير ذلك -غير صالحة- فهو شيء ملزمون به ويهمكم, فتضعونه عن رقابكم؛ بمعنى أنكم تنتهون منه, وتنجزونه وتسلمون من مسئوليته، فكأنكم وضعتم شيئا قد حملتم هَمَّه على رقابكم، وذلك بإنجازكم لهذا الميت. هذا المتبادر أنه في إسراعهم في التجهيز أسرعوا بالجنازةيعني بتجهيزها ودفنها؛ يعني: أنجزوه, لا تؤخروه كما قال -صلى الله عليه وسلم- لا ينبغي لجيفة مسلم أن تُحبس بين ظهراني أهله فدلَّ على أن المراد: بعد موته, لا يؤخر بل يُبادر به، هذا هو الأصل. لكن يجوز تأخيره لحاجة، وقد تقدم في أول الجنائز يقول الماتن هناك: وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة. فاستثنوا إذا مات فجأة أنه يُؤخر إلى أن يتحقق موته؛ لأنه قد يكون أصابه سكتة أو غشية أو إغماء، ولا يكون ميتا بل يكون حيا، وكم قد حصل من ذلك؟!
ذكروا أن ميتا أو نعشًا مر به على أناس جالسين، وقد حمل على النعش، فقال بعض الجالسين: إن هذا المحمول حي، قالوا: قد كيف يكون حيا وقد غُسِّل وكُفِّن ووُضِع على النعش وحمل وذهب به إلى المقبرة؟!! فقال: إنه لا يزال حيا، فأخبروا بذلك, فانتظروا وإذا هو قد أفاق، فسألوه: كيف عرفت أنه حي؟ فقال: رأيت قدميه قائمتين! يعني: أنه قد وقفت قدماه، والميت قدماه تمتد, فاستنبط من وقوف قدميه أنه لا يزال فيه حياة؛ فلا يسرع به إذا كان مثلا موته فجأة، أما إذا تحقق موته فإنه يسرع به.

line-bottom