إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
كتاب الروض المربع الجزء الأول
86695 مشاهدة
تقدير النقدين وزنا

والاعتبار بالدرهم الإسلامي الذي وزنه ستة دوانق والعشرة من الدراهم سبعة مثاقيل. فالدرهم نصف مثقال وخمسه، وهو خمسون حبة وخُمسا حبة شعير. والعشرون مثقالا خمسة وعشرون دينارا وسبعا دينار وتسعه على التحديد بالذي زنته درهم وثُمن درهم.


احتاجوا إلى أن يعايروه بالشعير؛ لأنه معروف، قالوا: المراد حب الشعير المشتهر لأنه لا يتغير بخلاف البر فإنه يتغير بالأمكنة التي يستخرج منها؛ فلذلك قالوا: إن الدرهم وزنه خمسون حبة من الشعير وخُمسا حبة؛ وكأنهم ضبطوه بالدقة حتى يكون واضحا لا يختلف فيه.
كذلك أيضا ضبطوا الدرهم والدينار بهذا الضبط الذي ذكروا؛ هذا مقداره عندما كان يتعامل به بالدرهم والدينار. أما في هذه الأزمنة فلما كان التعامل بالريال العربي السعودي قدروه بأن النصاب منه الذي هو مائتا درهم ستة وخمسون ريالا عربيا، وأما بالريال الفرنسي فقدروه باثنين وعشرين ريالا فرنسيا؛ لأنه يقارب ريالين ونصف تقريبا يعني: أو ريالين وثلث الريال الفرنسي بالريال العربي هذا تقديره بالريال، بقي مقداره بالأوراق الموجودة الآن؛ اختلف فيه المشايخ؛ فبعضهم لا يرى المفاضلة ويقول: هذا الريال الذي هو هذه الورقة فئة واحد تقوم مقام الريال الذي هو من الفضة. فمن كان عنده ستة وخمسون ريالا من الورق النقدي؛ فعليه الزكاة فيها.
هذا قول بعضهم، وحيث إن الريال الفضي الآن قد أصبح أرفع قيمة من الريال الورقي فإن أكثر المشايخ رأوا أنه ينافسه؛ أن الريال الفضي أنفسُ من الريال الورقي وأكثر منه قيمةً, وأشد منه رغبةً؛ وذلك لأن الذي يملك الآن ستة وخمسين من الريالات الفضية قد تساوي له أكثر من خمسمائة, أو سبعمائة من الريالات الورقية؛ فلذلك رأوا المفاضلة بينها، وأفتوا بأنه يجوز أن يبيع ريالا فضيا بخمسة أو بعشرين من الريالات الورقية، وهذا موجود ومُشَاهَدٌ الآن؛ أنك إذا طلبت من أهل المصارف ريالا فضيا لم تحصل عليه إلا بعشرين أو أكثر من عشرين ريالا ورقيا، فدل على أنه أكثر قيمة؛ وذلك لأنه أنفع وأقدر على أن يؤخذ، ولأنه يُقبل في كل الدول؛ غالبا أنه تقبله أية دولة؛ لأن الفضة يُنتفع بها في كل دولة وفي كل جهة وفي كل مكان، فهي لها قيمة؛ بخلاف الريال الورقي، فقد لا يقبل إلا في بعض الدول التي تتعامل مع هذه الدولة، والتي تحتاج إلى الاستيراد منها أو نحو ذلك، فإنه يقبل.
فلا جرم صار بينهما تفاوت، فبعضهم قدره بألف؛ نصاب الورق ألف من الريالات الورقية؛ لأن الستة والخمسين يمكن أنها مثلا كل ريال بعشرين فتكون بألف وزيادة. ومنهم من قدره بستمائة أو خمسمائة وخمسين على أن الريال يساوي عشرة؛ فعلى هذا ينظر إلى قيمتها المتوسطة؛ قيمة الريالات الفضية المتوسطة. ولا شك أن الذي يكون عنده ستة وخمسون ريالا ورقيا لا يقال: إنه غني، وذلك أنها قد يصرفها في قيمة لباس، أو نصف كيس أو ثلث كيس، فما تنفعه في حاجاته كلها؛ لو احتاج إليها في الوقت الراهن. هل تكفيه لإطعام أهله مدة سنة؟ هل تكفيه لحاجاته؟ لا يعد غنيا، والغنى شرط لوجوب الزكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فكيف يؤخذ ممن عنده ستة وخمسون ريالا ورقيا وهي لا تكفي حاجته أدنى حاجة؟ بل إن الذي يصرف له مثلا شهريا مائة أو ثلاثمائة يستقلها، ويقول: ماذا أفعل بها؟ هل أجعلها في طعام؟ هل أجعلها في كسوة؟ هل أجعلها في حاجات أخرى؟ لا تفيدني؛ فلذلك لا بد أن يكون الذي تجب عليه الزكاة يملك شيئا من المال الذي له قيمة وله أثر. هذا بالنسبة إلى الريال الفضة.
..أما هذه الريالات المعدنية فيظهر أنها ما صنعت إلا لغرض وهو استعمالها في الهاتف وجعلها باسم ريال؛ قائمة مقامه، قيمتها في مؤسسة النقد قيمة الريال -الريال الورقي- ولكن نقول: إنها أجود من الريال الورقي؛ لأن الريال الورقي قد لا ينتفع به إلا ما دام ريالا، وأما المعدن فينتفع به في غير النقد. فيمكن مثلا لو ألغيت هذه العملة ألغيت كلها؛ أخذت هذه الريالات المعدنية وسبكت أواني أو سبكت مثلا عملة أخرى؛ ينتفع بها من يخزنها, وأما الريالات الورقية فإذا ألغيت لم تنفع الذي خزنها بل تؤول إلى التلف، ثم هي أيضا عرضة للتلف فتأكلها الأرضة، وتخرقها الفئار، وتحرقها النار، وتفرقها الرياح، وتغرق وتضمحل بالماء؛ إذا سقط عليها ماء ذابت واضمحلت، وقلت قيمتها أو تلفت.
كان أحد الإخوة امرأته ضريرة أعطاها ثوبه تغسله وكان فيه ريالات ورقية من فئة خمسمائة. نسي فذهبت عليه لما ألقته في الغسالة ذهبت تلك الريالات ولم يبقَ لها قيمة، واضمحلت في وسط الماء. لو كان فيها قرش واحد لم تتلفه الغسالة، فدل على أنها عرضة للتلف هذه الريالات، ثم هي أيضا كثيرة التغير؛ الريالات الورقية كلما تجدد رئيس دولة غيَّر العملة السابقة وسبك عملة جديدة باسمه. هذا دليل على التفاوت بينهما. العملة الأولى إذا خزنت تبقى لا قيمة لها. كان بعض العجائز خزنت لها أوراقا قديمة من عهد الملك سعود أخرجتها في عهد الملك خالد ولم تقبل منها؛ مئات، أو مال كثير تعبت في تحصيله فذهب عليها، وكان معها قروش معدن قبلت منها هذه ونفعت؛ فعلى هذا يعرف أن بينهما تفاوتا في القيمة. نعم