تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
كتاب الروض المربع الجزء الأول
89492 مشاهدة
المراد ببهيمة الأنعام

بسم الله الرحمن الرحيم. قال الشارح رحمه الله تعالى: باب زكاة بهيمة الأنعام ؛ وهي الإبل والبقر والغنم، وسميت بهيمة الأنعام؛ لأنها لا تتكلم. تجب الزكاة في إبل؛ بخاتي أو عراب، وبقر أهلية أو وحشية، ومنها الجواميس وغنم ضأن أو معز أهلية أو وحشية؛ إذا كانت لدر ونسل لا لعمل، وكانت سائمة أي راعية للمباح الحول أو أكثره لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون رواه أحمد وأبو داود والنسائي وفي حديث الصديق وفي الغنم في سائمتها.... إلى آخره.


بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
بالإجماع أن بهيمة الأنعام فيها الزكاة؛ زكوية، وقد استدل على ذلك بالأحاديث الصحيحة؛ الأحاديث التي وردت في تحديد الزكاة، ومنها حديث أبي سعيد قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمس ذود صدقة فدل على أن الخمس فيها صدقة، والذود هي الإبل. ورد في حديث جابر المشهور الوعيد على منعها قال صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطحت له يوم القيامة أوفر ما كانت. تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؛ حتى يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وذكر مثل ذلك في البقر وفي الغنم، فهذا وعيد دل على أن فيها حقا.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يبعث من يجبي الصدقات؛ من يجمعها من البوادي، فتارة يفرقونها على المستضعفين والفقراء، وما لم يجدوا فقيرا جاءوا به إلى فقراء المدينة ليفرق على من يستحقه، أو ينفق في وجوه الخير، وسيأتينا إن شاء الله بيان أهل الزكاة؛ ومنهم الجهاد في سبيل الله.
البهيمة في الأصل هي التي لا تتكلم, وذلك أن البُهمة هي العجمة, فسميت بهيمة لأنها لا تنطق، والمراد هنا الأنعام التي مَنَّ الله بتسخيرها. كثير من الآيات يذكر الله تسخير هذه البهيمة, كما في قوله تعالي: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُون وفي قوله تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وكذلك عدَّدَها في سورة الأنعام في قوله تعالى: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ يعني: ذكر وأنثى وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ثم قال: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ فهي ثمانية أصناف ذكرت في هذه الآية أنها ثمانية، وكذلك في سورة الزمر وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ فهذا دليل على أن هذه هي بهيمة الأنعام، مع أن الله تعالى قد سخر وأوجد مخلوقات أخرى، ومع ذلك لم يمتنّ بها كما امتن بهذه الأنعام، ففي سورة النحل قال تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً امتن بها؛ امتن بركوبها وبأنه زينة، فاستُدِلَّ بهذه الآية على أنها ليس فيها زكاة, ولو ملك الإنسان مائة فرس أو مائة بغل أو مئات من الحمر؛ لأنه لا يُقتنى مثل ما تُقتنى هذه الدواب؛ بهيمة الأنعام.
فعلى هذا تختص الزكاة بهذه البهائم الثمانية؛ فالإبل نوعان: بَخاتي وعِراب, البختي: نوع من الإبل له سنامان، يوجد في بعض البلاد في تركيا وفي بعض البلاد النائية له سنامان، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض النساء: رءوسهن كأسنمة البُخْت أي: التي لها سنامان، فهذا يُركب ويُحلب ويُنتفع به، كما ينتفع بالإبل العِراب التي لها سنام واحد.
كذلك البقر نوعان: الجواميس والبقر العربية، وهناك بقر وحشية. منهم من يقول: إن فيها زكاة؛ لأنها يصدق عليها اسم بقر، ومنهم من قال: ليس فيها زكاة؛ لأنها صيد، ولأنها متوحشة تنفر بطبعها من الإنسان بخلاف البهيمية فإنها مذللة. الإنسية التي تأنس بالناس مذللة تألف البيوت وتألف الأهل، فلا يتم النعمة بالوحشي الذي ينفر، وهذا هو الأقرب أنه لا زكاة فيها؛ إلا إذا مَلَكَهَا بنية التجارة. إذا اشترى من البقر الوحشي أنواعًا ليبيعها ويربح فيها.
ثم الغنم: اسم للضأن والمعز, وهناك أيضا معز وحشية؛ هي نوع من الظباء. منهم من يقول: إنها زكوية، والأقرب أيضا أنها ليست زكوية؛ وذلك لأنها لا تُملك كما تُملك البهيمية، ولا تأنس بالإنسان؛ بل طَبْعُها: النفرة والبعد والشرود. يدخل في ذلك الظباء فإنها من جنس المعز، وكذلك الوعل والأروى والإيَّل والتيتل, وحمر الوحش المشهورة, هذه كلها يصدق عليها أنها شبيهة بالغنم، ولكنها وحشية, فلا تأنس للإنسان, ولا تمكنه من اقتنائها. يوجد مَن يُمسكها ويحجزها ويحلبها, وتتوالد في بعض الحدائق؛ ولكن لا تتم بها نعمة, ولا تَرعى كما تَرعى الغنم, بل إذا أُخرجت هربت.