جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
كتاب الروض المربع الجزء الأول
90325 مشاهدة
ولي الميت الذي يصوم عنه هو وارثه

والولي هو الوارث فإن صام غيره جاز مطلقا ؛ لأنه تبرع، وإن خلف تركة وجب الفعل فيفعله الولي أو يدفع إلى من يفعله عنه؛ ويدفع في الصوم عن كل يوم طعام مسكين، وهذا كله فيمن أمكنه صوم ما نذر فلم يصمه.


يقول: الولي أحد الورثة، فإن قلنا: إنه يصوم كما في النذر جاز أن يصوم واحد منهم؛ ذكر أو أنثى أحد أبنائه أو أحد بناته أو أحد أبويه؛ أو أحد أجداده أو جداته أو أحد إخوته أو نحوه.
ولا يلزم ذلك إنما هو مستحب؛ لأنا لا نلزم أحدا أن يعمل عن غيره، إنما ذلك مستحب فإن قيل: النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر تلك المرأة أن تصوم عن أمها، قال: صومي عن أمك؛ أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ فاقضوا الله؛ فالله أحق بالقضاء هذا لا شك أنه دليل، ولكن لما كانت هي السائلة عرف بذلك أنها ملتزمة بأن تصوم عن أمها؛ فلذلك أمرها؛ أمرها بأن تصوم لأنها هي التي سألت، كأنه عرف منها محبة ذلك، وأنها تشتهي أن تبرئ ذمة أمها؛ فلذلك أمرها بقوله: نعم، صومي عنها.
أما إذا كان له مال وقلنا: يطعم عنه فإنه يطعم عنه؛ عن كل يوم مسكين بقدر الفدية التي يفديها في دم الجبران، أو في فعل محظور من محظورات الإحرام أو نحو ذلك. وقدرت بإطعام مسكين في قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فالصدقة فسرت بأنها إطعام ستة مساكين، لكل مسكين ما يكفيه غداء أو عشاء، وهكذا فدية الصيام، إذا فدي عنه إذا كان ميتا وعليه صيام كنذر ونحوه أو كفارة أو فريضة -على القول بأنه يجب قضاؤها- ما يجزئ في طعام مسكين.
قال بعضهم: إنه لا بد من مد بُرّ، والقول الثاني: إنه نصف صاع من البر أو من غيره لا يكفي أقل من نصف الصاع، وهذا هو المختار، وإن كان المشهور أنه مُدّ. فعلى كل حال يحرص على أن تبرأ ذمة الميت، ويبادر بقضاء ما عليه.
وهل يجوز تفريق الصيام أو توزيعه ؟ فيه خلاف، والصحيح أنه يجوز كما إذا كان مثلا عليه صيام خمسة عشر يوما وله ثلاثة أولاد؛ توازعوها، وقال كل منهم: أنا أصوم خمسة. لا بأس، أو كان له مثلا عشرة أولاد وعليه عشرة أيام؛ فقالوا: نصوم كل يوم واحدا يجزئ ذلك؛ لأن هذا يعتبر قضاء. نعم.