إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
كتاب الروض المربع الجزء الأول
111333 مشاهدة
توسعة القبر وتعميقه

ويسن أن يوسع ويعمق قبر بلا حد ويكفي ما يمنع من السباع والرائحة. ومن مات في سفينة ولم يمكن دفنه ألقي في البحر سلًّا كإدخاله القبر, بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه, وتثقيله بشيء.


يقول: الميت معلوم أنه لا بد من دفنه، وأنه هكذا هذه نهايته، فيدخل في قبره ويوضع على شقه الأيمن وينصب عليه اللبن كما عرفنا، أيش أول الكلام؟

(ويسن أن يوسع عليه).

أما الواجب فهو كونه مثلا يكون بقدره, ولا يُزاد في توسعته، يُوسَّع في قبره بحيث يكون واسعا عليه، فلا يكون قصيرا, ولا يكون -مثلا- ضيقا بحيث يضغط فيه ضغط، بل يوسع عليه بقدر، أما التوسعة الزائدة فلا حاجة إليها؛ وذلك لأنه إنما هو لأجل مواراته؛ بحيث إنه مع هذه التوسعة, وهذا التعميق, وهذا الدفن يحفظه من السباع حتى لا تحفره, ويحفظه من أن تخرج رائحته؛ يعني: إلى ظاهر الأرض، إذا عُمِّق لم يخرج له رائحة، بل يبقى إلى أن يكون ترابا.
وأما إذا مات وهو بالبحر -في سفينة- فذكروا أنه يُثَقَّل.. يُجعل.. يربط فيه مثلا حجر؛ لأجل أن يرسب به في جوف البحر؛ أحيانا مثلا إذا ركبوا سفينة قد يموت معهم ميت, وليس معهم حنوط يُحَنَّط به, أو ثلاجة يُثَلَّج فيها، والسفينة قد تبقى في البحر شهرا ما تقطع المسافة؛ لأن السفينة سيرها إنما هو بالريح, تدفعها الريح, ليست كالسفن الجديدة التي تندفع بالآلات، فبقاؤهم مثلا شهر أو ربما نصف سنة وهم في البحر ما يقطعونه، هذه المسافة هذه المدة, لا بد إذا مات فيهم ميت أنه يتغير، ولا يجدون أرضا يدفن فيها فليس لهم إلا أن يجهزوه؛ بمعني أنهم يغسلونه ويكفنونه ثم يلقونه في البحر إلقاء بعدما يربطون فيه حجرا أو نحوه ثقيلا حتى لا يطفو، بل يرسب في قعر الماء تأكله دواب البحر أو نحوها.
قوله:سَلًّا يعني: يلقى في البحر إلقاء هذا معنى السَّلِّ؛ كأنه يلقى على قدميه أو على رأسه أو على أحد جنبيه؛ يُسَلُّ سلًّا.