إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
158493 مشاهدة
باب المياه وأقسام الطهارة

[باب: المياه] .
والطهارة نوعان:
أحدهما: الطهارة بالماء ، وهي الأصل .
فكل ماء نزل من السماء، أو نبع من الأرض: فهو طهور، يطهر من الأحداث والأخباث، ولو تغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الماء طهور لا ينجسه شيء رواه أهل السنن، وهو صحيح .



[باب: المياه]
قوله: (والطهارة نوعان: أحدهما: الطهارة بالماء، وهي الأصل... إلخ):
الطهارة نوعان :
أحدهما: الطهارة بالماء وهي الأصل.
والثاني: الطهارة بالتراب الذي هو التيمم، وهو بدل عن الوضوء (وسيأتي الحديث عنه مفصلا في موضعه إن شاء الله).
ولكن الأصل هو الطهور بالماء، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48] فهذا الماء الذي ينزل من السماء، ويستقر في الأرض، تحفظه الأرض في جوفها، ثم يستخرج منها، هو الطهور.
وقال تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: 11] واستدل من هذا أن الطهارة بالماء هي الأصل.
والمؤلف رحمه الله يرى أن المياه قسمان : طهور ونجس، وليست ثلاثة، والحد الفاصل بينهما هو التغير بالنجاسة، فإذا كان الماء لم يتغير بنجاسة فإنه طهور، وإذا تغير بنجاسة فإنه نجس، وليس بينهما واسطة.
قوله: (فكل ماء نزل من السماء، أو خرج من الأرض ... إلخ):
فالماء الذي نزل من السماء أو خرج من الأرض بالدلاء أو بالمضخات فهو طهور يطهر من الأحداث والأخباث.
والأحداث: هي الأمور المعنوية التي ترفع بالغسل وبالوضوء.
والأخباث: هي النجاسات العينية كالأبوال ونحوها.
قوله: (ولو تغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر... إلخ):
إذا تغير الماء بشيء طاهر فإنه يبقى على طهوريته، ولو كان قليلا، واشترطوا أن يبقى له مسمى الماء، أما إذا تغير اسمه، بأن سلب اسم الماء ولو بإضافة شيء إليه؛ فإنه لا يسمى طهورا، بل يتحول اسمه إلى ما أضيف إليه، فيسمى مثلا قهوة أو شايا أو حبرا وهكذا، كل هذا لا يتطهر به، لأنه سلب اسم الماء، وكذلك إذا غلب عليه، بأن سمي مثلا ماء الزعفران، أو ماء الورس أو ماء البنفسج أو ماء الورد، فهذه لا يطلق عليها اسم الماء المطلق، أما إذا كانت الإضافة لا تسلبه اسم الماء المطلق، مثل: ماء الآبار، وماء البحار، وماء الأنهار، وماء الأودية ، فهذا ماء طهور.

فالمؤلف رحمه الله يقول: لو تغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر؛ كأن سقطت فيه أوراق، أو غمست فيه الأيدي، ولم يتغير، أو غسل فيه شيء طاهر، ولم يتغير بنجاسة، فهو باق على طهوريته، واستدل بهذا الحديث، وهو حديث بئر بضاعة: إن الماء طهور لا ينجسه شيء وحكم بأنه صحيح، وذكروا في الحديث أن بئر بضاعة كان يرمى فيها الجيف والنتن وخرق الحيض والكلاب، ومع ذلك قال -صلى الله عليه وسلم- إن الماء طهور لا ينجسه شيء وذلك؛ لأنها تستخلف لأنها تنزح بالدلاء ثم يأتي بدل الماء ماء.