القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
142152 مشاهدة
صلاة المسافر

وكذلك المسافر يجوز له الجمع.
ويسن له القصر للصلاة الرباعية إلى ركعتين.
وله الفطر برمضان.


ثانيا: المسافر:
قوله: (وكذلك المسافر يجوز له الجمع... إلخ):
لم يعرف المؤلف السفر، ولم يحدد المدة، ولا المسافة، في هذه الرسالة، واقتصر على كلمة المسافر.
فمتى يعتبر الإنسان مسافرا؟
قيل: السفر هو الذي لا يقطع إلا بمشقة وكلفة، وقيل: السفر ما احتاج إلى زاد ومزاد، وقيل: السفر ما يلزم منه غيبة طويلة؛ بحيث إذا قدم يلاقى ويهنأ ويحيَّا.
ومنهم من حدده بالمسافة، فقال: مسافته ثمانية وأربعون ميلا، والميل قريب من ألف وسبعمائة متر، فيكون قريبا من خمسة وثمانين أو تسعين كيلو، وأكثرهم حددوه باليوم، فقالوا: هو مسيرة يومين قاصدين، وقالوا: إن مسيرة اليوم لا تسمى سفرا.
وذهب بعض المحققين كشيخ الإسلام إلى أنه لا يحدد بمسافة، بل بالزمان، وأنه إذا سافر مسيرة يوم ونصف ولو لم يقطع إلا عشرين ميلا سمي مسافرا، وإذا سافر وقطع أوبعين ميلا أو مائة أو مائتي ميل، ولكن رجع في يومه أو في ليلته، فلا يسمى مسافرا، هذا هو اختيار شيخ الإسلام كما ذكره في رسالة السفر المطبوعة في المجلد الرابع والعشرين.
وفي زمانه ضرب مثلا بالفرس السابق، فقال ما معناه: لو ركب إنسان فرسا سابقا وقطع مائة أو مائتي ميل، ثم رجع من يومه، فلا يقصر ولا يفطر ولا يجمع ولا يسمى مسافرا؛ لأن المدة قصيرة: يوم وليلة أو أقل، ولو ركب دابة بطيئة وقطع مسافة عشرين ميلا، ولم يقطعها إلا في يوم ونصف أو يومين أي لم يرجع إلى أهله إلا بعد يومين سميناه مسافرا، فكأنه يعتبر المدة هي التي يقصر أو يجمع فيها.
وعلى هذا فإن الإنسان في هذه الأزمنة لا يقصر في كل سفر، فمثلا لو ذهب إلى القصيم ورجع في يومه لا يسمى مسافرا، أو إلى الإحساء ورجع في يومه لا يسمى مسافرا، أما لو ذهب إلى رماح -وهي قريبة- ولكن لم يرجع إلا بعد يوم ونصف ويومين فيسمى مسافرا، وكذلك لو ذهب إلى نزهة مثلا أربعين أو ثمانين كيلو مترا، وبقي يومين أو ثلاثة أيام سميناه مسافرا.
والمسافر يجوز له الجمع ويفعل أيضا الأرفق به، ففي حديث معاذ أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يصليها في وقت العصر جمعا (أي: جمع تأخير)، وإذا ارتحل قبل أن تغرب الشمس أخر المغرب حتى ينزل لوقت العشاء حتى يصلي المغرب والعشاء تأخيرا .
وكذلك ذكر أنه اختلف في جمع التقديم، ففي أكثر الأحاديث أنه إذا زالت الشمس وهو نازل صلى الظهر فقط، ثم ركب وسار حتى ينزل وقت العصر، فلا يجمع جمع تقديم، ولكن ثبت في غزوة تبوك أنه أحيانا يقدم، فإذا زالت الشمس وهو سوف يرحل، قدم العصر وصلاها في وقت الظهر، وإذا غربت الشمس وهو نازل ولكن سيرحل قدم العشاء وصلاها مع المغرب جمع تقديم.
فعرفنا أنه يفعل الأرفق به؛ لأنه قد يشق عليه أن ينزل في كل وقت، فمثلا إذا ارتحل قبل الظهر بنصف ساعة، احتاج -مثلا- أن يصلي الظهر ثم العصر، فيكفيه وقفة واحدة إما في وقت الظهر فيجمعهما في وقت الظهر، أو في وقت العصر فيجمعهما في وقت العصر، حتى لا ينقطع؛ لأنه بحاجة إلى مواصلة السير، فالوقفتان قد تقطعانه فيقف وقفة واحدة يصلي بها الصلاتين معا، هذه هي العلة.
قوله: (ويسن له القصر للصلاة الرباعية إلى ركعتين):
كلمة (ويسن) تدل على أنه سنة لا واجب، أي أن القصر سنة، لكنه أفضل من الإتمام، وإن كان الإتمام جائزا، فكونه يصلي أربعا هو الإتمام، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في منى ركعتين ركعتين وكذلك أبو بكر وعمر ثم إن عثمان أتم، وصار يصلي في بمنى الظهر أربعا والعصر أربعا والعشاء أربعا وتابعه من معه من الصحابة، فكان ابن عمر إذا صلى مع الجماعة صلى أربعا، وإذا صلى وحده صلى ركعتين .
وأما ابن مسعود فإنه كان يصلي مع الجماعة فيصلي أربعا، فقيل له: ألست تحفظ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ركعتين؟ فقال: الخلاف شر فاختار أن يوافق عثمان، مع قوله: ليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان .
والقصر أفضل إذا كان مسافرا، أي: إذا كان على أهبة السفر، فالنازلون في بمنى على أهبة السفر؛ لأنهم ينزلون في خيام أو في قباب أو ما أشبه ذلك نزولا مؤقتا، وكذلك في عرفة، وكذلك في مزدلفة، وكذلك في نزولهم قبل ذلك بالأبطح، فكانوا يصلون ركعتين؛ لأنهم على أهبة السفر.
ما مدة الإقامة التي يقصر أو يتم فيها ؟
ذهب بعضهم إلى أنه يقصر ما لم يعزم على الإقامة، كما ذكر ذلك ابن القيم، وآخرون قالوا: إذا عزم على أربعة أيام فإنه يتم.
ولعل الأرجح أنه ما دام على أهبة السفر، ويعمل كما يعمل المسافر، فإنه يقصر، ولو طالت المدة، فإذا كان مثلا نازلا في خيمة أو في قبة أو لم ينزل بل متاعه على دابته أو في سيارته، فإذا أراد الأكل نصب له قدرا أو أوقد له قدرا خارج البلد اعتبر مسافرا ولو طالت المدة، ولو زادت على الأربعة أيام أو العشرة؛ لأنه يعمل كما يعمل المسافر في خيمته أو في بيت شعر أو في قبة صغيرة، شأنه شأن المسافرين.
أما إذا استقر في البلد فإنه لا يكون فرق بينه وبين أهل البلد، فإذا نزل مثلا في فندق يتمتع بما يتمتع به المقيمون، فعنده المكيفات والأنوار والفرش والسرر وآلة الوقود والثلاجات والطباخات، فلا فرق بينه وبين المقيم، وهكذا إذا نزل في شقة أو نحو ذلك، فمثل هذا نرى أنه مقيبم ولو أقل من ثلاثة أيام فيتم ويصلي مع الجماعة ولا يترخص، وذلك للفرق بينه وبين المسافر الذي يلاقي مشقة، فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: السفر قطعة من العذاب ومثل هذا لا يكلفه هذا الأمر، وليس عليه مشقة.