اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
210478 مشاهدة print word pdf
line-top
صيام المريض والمسافر

والمريض الذي يتضرر بالصوم، والمسافر: لهما الفطر والصيام.


صيام المريض والمسافر:
قوله: ( والمريض الذي يتضرر بالصوم، والمسافر لهما الفطر والصوم):
فإذا قال المريض: إنا يضرني الصوم، ولكنني سوف أتحمل وأصبر على الضرر، جاز له ذلك، وإن كان الأفضل له أن يأخذ برخصة الله.
والمسافر له الفطر والصوم فإذا قال: إنا سوف أصوم مع المشقة، ولكني سوف أصبر عليها وأتحمل المشقة للأجر، جاز له ذلك، ولكن الأخذ بالرخصة أفضل.
وفيه عدة أحاديث منها حديث أبي موسى وغيره في الرجل الذي كان في سفر فرأى النبي -صلى الله عليه وسلم- زحاما ورجلا قد ظلل عليه، قال: ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصيام في السفر وفي رواية: عليكم برخصة الله التي رخص لكم فهذا الرجل صام في السفر ولقي مشقة ولما انتصف النهار، إذا هو متعب، وإذا الناس ينظرون إليه، وقد ظلل عليه تحت شجرة، وكأنه بحاجة إلى من يرشه بماء ومن يأتيه بحاجته، فهذا قد أضر نفسه؛ فلذلك قال: عليكم برخصة الله ومع ذلك يجوز، ففي حديث أبي الدرداء الذي في الصحيح قال: كنا في سفر في حر شديد، حتى أن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة فتحمل الصوم في هذا الحر الشديد طلبا للأجر، فدل على أنه يجوز، ولكن عند المشقة الفطر أفضل.
وفي حديث جابر في سفر النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة زمن الفتح صاموا ثمانية أيام ومعه عشرة آلاف، كلهم يصومون، ولما وصلوا إلى قديد أو إلى عسفان، قالوا له إن الناس قد شق عليهم الصيام، فعند ذلك أمر بالإفطار، وعلل بأنه أقوى لهم، فقال: إنكم قد قربتم من عدوكم والفطر أقوى لكم أي: أفطروا حتى تتقووا على قتال عدوكم، فهذا دليل على أن الفطر أفضل إذا كان هناك مشقة، فإذا لم يكن هناك مشقة فقيل إنه بالخيار؛ لحديث أنس قال: كنا نسافر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أن من به قوة وجلد فإنه يصوم، ومن به ضعف فإنه يفطر وهذا يظهر أنه في التطوع.

وبكل حال نختار أنه إذا كان هناك مشقة على المسافر فالفطر أفضل له، وإذا لم يكن هناك مشقة فالصوم أفضل له، وإن أفطر مع عدم المشقة جاز، وإن صام وتكلف المشقة جاز.

line-bottom