من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
137485 مشاهدة
باب صفة الصلاة

[باب: صفة الصلاة]
يستحب أن يأتي إليها بسكينة ووقار.
فإذا دخل المسجد قال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك .
ويقدم رجله اليمنى لدخول المسجد، واليسرى للخروج منه. ويقول هذا الذكر إلا أنه يقول: وافتح لي أبواب فضلك كما ورد في ذلك الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه .
فإذا قام إلى الصلاة قال: (الله أكبر) ثم يرفع يديه إلى حذو منكبيه أو إلى شحمة أذنيه، في أربعة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول، كما صحت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويضع يده اليمنى على اليسرى فوق سرته، أو تحتها، أو على صدره ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك أو غيره من الاستفتاحات الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- . ثم يتعوذ، ويبسمل، ويقرأ الفاتحة، ويقرأ معها في الركعتين الأوليين من الرباعية والثلاثية سورة، تكون: في الفجر: من طوال المفصل، وفي المغرب: من قصاره، وفي الباقي: من أوساطه.
يجهر في القراءة ليلا، ويسر بها نهارا الا: الجمعة والعيد، والكسوف، والاستسقاء، فإنه يجهر بها.
ثم يكبر للركوع، ويضع يديه على ركبتيه، ويجعل رأسه حيال ظهره ويقول: (سبحان ربي العظيم) ويكرره. وإن قال مع ذلك حال ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي فحسن.
ثم يرفع رأسه قائلا: سمع الله لمن حمده إن كان إماما او منفردا. ويقول الكل: ربنا ولك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد .
ثم يسجد على أعضائه السبعة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين متفق عليه .
ويقول: سبحان ربي الأعلى .
ثم يكبر، ويجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى وهو الافتراش.
ويفعل ذلك في جميع جلسات الصلاة، إلا في التشهد الأخير، فإنه يتورك: بأن يجلس على الأرض، ويخرج رجله اليسرى من الخلف الأيمن.
ويقول: رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، واجبرني، وعافني .
ثم يسجد الثانية كالأولى.
ثم ينهض مكبرا على صدور قدميه .
ويصلي الركعة الثانية كالأولى.
ثم يجلس للتشهد الأول، وصفته: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
ثم يكبر ويصلي باقي صلاته بالفاتحة في كل ركعة.
ثم يتشهد التشهد الأخير وهو المذكور، ويزيد على ما تقدم: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد . أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال .
ويدعو الله بما أحب.
ثم يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله، لحديث وائل بن حجر رواه أبو داود .


[باب: صفة الصلاة]
وصف رحمه الله الصلاة صفة كاملة مقنعة لمن أراد الاكتفاء، فقد أتى فيها بالسنن والمستحبات.
صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-
قوله: (يستحب أن يأتي اليها بسكينة ووقار):
يستحب أن يأتي اليها بسكينة ووقار، وقد ورد ذلك في حديث فلا يسرع في مشيه ولا يكثر الحركة، حتى أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن التشبيك بين الأصابع فقال: إذا أتى أحدكم إلى الصلاة فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة .
قوله: (فإذا دخل المسجد قال:... إلخ ) :
إذا دخل المسجد دعا بقوله: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك فهذا ذكر ودعاء، فالذكر قوله: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله لأن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب من أسباب قبول الدعاء، والدعاء قوله: اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك فإنه لما داخل إلى المسجد كان بحاجة إلى سؤال الرحمة؛ فقال: افتح لي أبواب رحمتك .
فإذا خرج من المسجد فإنه يقول: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك وذلك لأنه بحاجة إلى طلب الرزق.
وفي دخوله يقدم رجله اليمنى، وفي خروجه يقدم رجله اليسرى؛ لتكون اليمنى أول ما يدخل وآخر ما يخرج، كما أنه إذا دخل بيت الخلاء قدم اليسرى دخولا، وقدم اليمنى خروجا، تكريما لليمين.
قوله: (فإذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر... إلخ): فإذا قام إلى الصلاة قال: (الله أكبر)، لا يجزئه غيرها، خلافا لبعض الحنفية،
الذين يقولون: يجزى كل كلمة تدل على التعظيم، أما الجمهور فقالوا: لا يجزئ إلا التكبير؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- تحريمها التكبير وتحليلها التسليم .
قوله: (ثم يرفع يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى شحمة أذنيه):
وقد ذكر المؤلف رحمه الله أن رفع اليدين في أربعة مواضع:
1- إذا افتتح الصلاة عند تكبيرة الإحرام.
2- وإذا أراد أن يركع.
3- وإذا رفع من الركوع.
4- وإذا قام من التشهد الأول، فيرفع يديه كلتيهما.
ومنتهى الرفع قيل: إنه إلى المنكبين، وقيل: إلى شحمتي الأذنين، وقيل إلى فروع الأذنين، والكل جائز، وهو مخير بين ذلك؛ لأن الرفع ورد مطلقا، فكان -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع من الركوع، ولا يفعل ذلك في السجود، هكذا في حديث ابن عمر وخالف في ذلك الحنفية، فلا يرفعون إلا في التحريمة، وخالف في ذلك الاباضية ونحوهم من المبتدعة كالرافضة، ولا عبرة بخلافهم.
قوله: (ويضع يده اليمنى على اليسرى... إلخ):
ثم بعدما يكبر يضع يده اليمنى على اليسرى وقد ورد أنه يقبض يده اليسرى باليمنى وهذا القبض يعتبر من السنن وقيل إنه يضعهما تحت سرته أو فوقها أو على صدره، وقد ورد في ذلك بعض الآثار لكن الأرجح أن يضعهما على صدره ليكون ذلك من باب الاهتمام؛ لأن من اهتم بشيء فإنه يقبض عليه، فكأنه يقبض قلبه بيديه حتى يكون أجمع له وأبعد عن تشتت القلب.
قوله: (ويقول: (سبحانك اللهم.. إلخ):
بعد ذلك يستفتح الصلاة، وقد اختار الأممام أحمد الاستفتاح بقوله: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وفي صحيح مسلم أن عمر كان يجهر به وكذلك روته عائشة ولكن في غير صحيح مسلم؛ بل في السنن، فهو ثناء مختصر جامع، لذلك اختاره الأممام أحمد، فقد بدأه بالتسبيح: سبحانك اللهم، ثم بالحمد: وبحمدك وهو: الثناء على الله، ثم بالبركة: تبارك اسمك وهي كثرة الخير، ثم بالعلو: وتعالى جدك، أي: حقك، وما تستحقه، ثم بالتوحيد: ولا إله غيرك.
وهناك استفتاحات أخرى مثل قوله: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد اللهم نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وهذا مروي في الصحيحين عن أبي هريرة.
ومثل استفتاحه عليه الصلاة والسلام في آخر الليل، كما في الصحيح عن عائشة إنه كان يقول: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .
ومثل حديث علي الطويل أنه كان يقول: وجهت وجهى للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين... إلخ ولكنه طويل مروي في سنن أبي داود وغيره.
يقول الإمام أحمد وشيخ الإسلام: إنه يستحب أن ينوع، بأن يأتي بهذا مرة وبهذا مرة حي لا يهجر شيء من السنة .

قوله: (ثم يتعوذ):
ثم بعد الاستفتاح يتعوذ، لقوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل: 98] أي: إذا أردت القراءة.
قوله: (ويبسمل):
ثم بعد ذلك يبسمل، ولا يجهر بالبسملة في الجهرية، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة لم يكونوا يجهرون بها، يقول أنس: صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وفي رواية: كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة وفي آخرها . أي: كانوا يسرون بها. قوله: ويقرأ الفاتحة:
ثم بعد ذلك يقرأ الفاتحة وهي ركن، لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ولكنهم خصوها بالإمام و المنفرد، وجعلت قراءة المأموم تابعة لقراءة الأممام، وفي حكم قراءة المأموم خلف الإمام خلاف قديم، والأرجح أن يقرأ في السرية وفي السكتات.
قوله: (ويقرأ معها في الركعتين الأوليين):
بعد الفاتحة يقرأ سورة ويفضل أن تكون كاملة، وإن قرأ بعضها فإنه يجزئ، سواء من أولها أو من وسطها أو من آخرها؛ لقوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: 30] هذا في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
فيقرأ في الفجر من طوال المفصل، وطوال المفصل يبدأ من ق إلى المرسلات.
وفي المغرب من قصار المفصل، أي: من الضحى إلى آخره.
أما الظهر والعصر والعشاء فيقرأ من أوساطه، أي: من عم إلى والليل إذا يغشى.
قوله: (ويجهر في القراءة ليلا، ويسر بها نهارا):
والسبب في ذلك كون الإنسان في الليل قد فرغ من أعماله، والليل تنقطع فيه الشواغل، وهو بحاجة إلى سماع القرآن، وأما النهار فإنه يشغل القلب لكون حرفته وعمله تشغل قلبه فيقرأ لنفسه.
وصلاة الجمعة والعيد والكسوف والاستسقاء نهارية، ولكن يجهر بها، لأنها تجمع حلقا كثيرا، فاحتيج إلى إسماعهم، فقد لا يكون بعضهم يسمع القرآن إلا في مثل ذلك الوقت.
قوله: (ثم يكبر للركوع... إلخ):
بعد الانتهاء من القراءة في الركعة الأولى يكبر للركوع، ويضع يديه على ركبتيه، ويفرج أصابعه، ويلقم كل يد ركبة، ويجعل رأسه حيال ظهره؛ لحديث عائشة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ركع لم يصوب رأسه، ولم يشخصه أي: لم يدله ولم يرفعه، ولكن يسوي رأسه وظهره بحيث لو وضع قدح على ظهره لاستقام.
ويقول في الركوع: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات أدنى الكمال، وتجزئ مرة واحدة، ويستحب في الركوع والسجود بعد التسبيح قول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي ففي حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقولها بعدما أنزل عليه: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر: 3] .
قوله: (ثم يرفع رأسه قائلا... إلخ):
بعدها يرفع رأسه من الركوع قائلا: سمع الله لمن حمده وهذه خاصة بالإمام والمنفرد، وأما المأموم فيرفع ولا يقول هذا، وذلك لأن الإمام يسمع من خلفه حتى ينبههم فيحمدوه، والجميع يقولون: ربنا ولك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد وفي زيادة في بعض الروايات: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد وإن زاد بقوله: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد فحسن، وقد ورد أنه كان يطيل الرفع حتى يقول القائل: قد نسي .
قوله: (ثم يسجد على أعضائه السبعة):
لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار إلى أنفه كأنه وضع يده على جبهته، ومسح إلى أنفه، فالجبهة والأنف عظم واحد- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين فهذه هي أعضاء السجود، ويسن أن يمكنها، ولا يخل بشيء منها، ويتعاهد القدمين؛ لأن بعض الناس يرفع قدميه ولا يمكنهما، ويوجه أطراف أصابعه إلى القبلة.
قوله: (ويقول: سبحان ربي الأعلى... إلخ):
السجود محل الدعاء، لقوله -صلى الله عليه وسلم- فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم لكن ورد أنه يسبح فيه بقول: سبحان ربي الأعلى، فقد ورد أنه لما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1] قال: اجعلوها في سجودكم ولما نزلت: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة: 74] قال: اجعلوها في ركوعكم ويقولها مرة، وهذا مقدار ما يجزئ، وأدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر؛ لحديث أنس أنه صلى خلف عمر بن عبد العزيز فقال: إنه أشبهكم بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كان أميرا على المدينة. قالوا: فحزرنا تسبيحه في الركوع والسجود عشرا عشرا .

قوله: (ثم يكبر، ويجلس على رجله اليسرى... إلخ):
ثم بعد السجود يكبر ويجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى ، يسمى هذا افتراشا، فالمفترش هو أن: يعرض رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض ورؤوس أصابعها إلى القبلة، وهذا هو الأفضل، وجميع الجلسات في الصلاة افتراش إلا في التشهد الأخير، فإنه يتورك إن تمكن، أما إذا كان هناك زحام في الصفوف فإنه يفترش أيضا، والتورك: أن يجلس على الأرض ويخرج رجليه عن يمينه، وتكون اليمنى منتصبة، واليسرى مبسوطة.
قوله: (ويقول: ربط اغفر لي... إلخ):
وبين السجدتين يقول: رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني وعافني كما روي ذلك مرفوعا، وإن زاد في الدعاء، أو كرر هذا الدعاء، فلا بأس.

قوله: (ثم يسجد الثانية كالأولى):
ثم يكبر وشمجد السجدة الثانية كالأولى، ويقول فيها ما يقوله في السجدة الأولى.
قوله: (ثم ينهض مكبرا على صدور قدميه، ويصلي الركعة الثانية كالأولى):
ثم ينهض من السجود مكبرا على صدور قدميه، واختار المؤلف: أنه لا يجلس للاستراحة، وكأنها لم تثبت عنده، أو أنها خاصة بالكبير، لأنها لم ترو إلا عن مالك بن الحويرث ولم يذكرها إلا في آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلعله فعلها لحاجة: لكبر أو مرض أو نحوه؛ لذلك لم يذهب اليها إلا الشافعي في رواية، والإمام أحمد رجع إليها وعمل بها أخيرا فلعله لحاجة .
والركعة الثانية كالأولى، إلا أنه ليس فيها استفتاح ولا تعوذ، بل ينهض ثم يبسمل ويقرأ الفاتحة ويصلي الركعة كاملة.
قوله: (ثم يجلس للتشهد الأول، وصفته:... إلخ):
ثم بعد الركعتين يجلس للتشهد مفترشا، واختار المؤلف تشهد ابن مسعود الذي ساقه، لأنه لم يختلف فيه الذين رووه ولو في حرف، ولأنه يقول رضي الله عنه: علمني الرسول -صلى الله عليه وسلم- التشهد كفي بين كفيه أي: اهتم به حتى علمه كما يعلمه السورة من القرآن.
وقد روي التشهد عن عمر، وعن جابر، وعن ابن عباس وفيه زيادة أو نقص كلمات.
ففي تشهد عمر: التحيات لله الزاكيات لله .
وفي تشهد جابر أو ابن عباس التحيات لله المباركات الطيبات أي: بزيادة كلمة أو نقص كلمة، والكل جائز.
قوله: (ثم يكبر ويصلي باقي صلاته):
بعدما يقول في التشهد الأول: (عبده ورسوله) يقوم لبقية صلاته، إذا كانت الصلاة رباعية؛ يقوم إلى تكملة ركعتين، وإذا كانت ثلاثية كالمغرب يقوم لأداء الركعة الباقية، فإذا قام كبر ورفع يديه حذو منكبيه أو حيال أذنيه، ويقتصر في الركعتين الأخيرتين على الفاتحة، لحديث سعد: أنه كان يمد في الأوليين ويحذف في الأخريين وقوله: يمد في الأوليين، يعني: يطيل في الركعتنن الأوليين، وقوله: ويحذف في الأخريين، يعني: يختصر في الركعتين الأخيرتين، وإن قرأ فيهما زيادة جاز، لحديث أبي سعيد في صحيح مسلم .
قوله: (ثم يتشهد التشهد الأخير، وهو... إلخ):
ثم بعدما يصلي الركعتين الأخيرتين أو الركعة الأخيرة يجلس للتشهد الأخير، فيأتي بالتشهد الأول، وهو: التحيات لله، والصلوات... إلخ، ثم يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد وردت الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده صفات، واختار المؤلف منها هذه الصفة، وهي متقاربة، والاختلاف إنما هو في قوله -كما في بعض الروايات- كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وفي رواية: كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم وفي رواية: كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد، وفي رواية: كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد .
وكما قلنا اختار المؤلف: (كما صليت على آل إبراهيم)، فقد جمع بين محمد وآله واقتصر على آل إبراهيم؛ لأنه أخذه من الآية الكريمة في سورة هود وهي قوله تعالى: رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود: 73] ولهذا ختم هذا الدعاء بقوله: إنك حميد مجيد، كما ختمت الآية بذلك، ومن هذه الآية أخذ بعض العلماء أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- معناها الرحمة؛ لأنه قال: رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وهنا قال: كما صليت، فيكون المعنى: كما ترحمت.
قوله: (أعوذ بالله من عذاب جهنم... إلخ):
ثم بعد الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي بهذه الاستعاذة، فقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:
إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر وفتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ويستحضر هذه المعاني، التي فيها إثبات عذاب القبر، وأنه يستعاذ منه، وفيه الخوف من الفتنة في الدنيا وعند الممات، وفيه التحذير من فتنة المسيح الدجال.
وبعدها يدعو بما أحب، فقد ورد الحديث: أنه يختار من الدعاء ما أحب أو أعجبه إليه .
قوله: (ثم يسلم عن يمينه، وعن يساره... إلخ):
بعدها يسلم عن يمينه وعن يساره، ويختار المؤلف وجوب التسليمتين، بأن يقول: (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله). وقد وردت زيادة (وبركاته) في سنن أبي داود، ولكن يظهر أنه لم يكن يأتي بها دائما، إنما أحيانا، فالذين رووا: (السلام عليكم ورحمة الله) خمسة عشر صحابيا، كما ذكر ذلك ابن القيم.
وبهذا يكون قد انتهى من صفة الصلاة.