تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
137082 مشاهدة
مشروعية الهدي والأضحية والعقيقة

[باب: الهدي والأضحية والعقيقة]


(باب: الهدي والأضحية والعقيقة)
بعد الانتهاء من الحج يذكر الفقهاء باب الهدي والأضاحي والعقيقة؛ وذلك لأن أكثرها يتعلق بالحج أو يتعلق بيوم الحج وهو الأضاحي، فالهدي غالبا أنه يكون تابعا للحج أو تابعا للعمرة، أي: تابعا لمكان الحج، والأضاحي تكون في أيام الحج، ثم الحقوا بها العقيقة ولو لم تكن في أيام الحج؛ وذلك لمشابهتها للأضحية وللفدية وللهدي في شروطها وأحكامها.
وكثير من العلماء يؤخرون باب الأضاحي إلى الأطعمة في آخر الكتاب كما فعل صاحب المغني والزركشي وغيرهما من العلماء المتقدمين والمتأخرين، فرأوا أنها من الأطعمة التابعة للذبائح وللصيد ونحوه فجعلوها معها، ولكل اجتهاده، ولكن مناسبتها بعد الحج أولى.
لم يتكلم المؤلف عن الهدي، وقد كان العرب قبل الإسلام يهدون إلى البيت، فإذا توجه أحدهم إلى البيت أهدى معه بعضا من بهيمة الأنعام وجعلها هدية للبيت ولسكان البيت ولعمار البيت الحرام، وبقيت هذه سنة، أي: إنها سنة باقية قبل الإسلام وبعده، والدليل على سنيتها الكتاب والسنة.
* فمن الكتاب: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ [المائدة: 2] فدل على أنهم كانوا يهدون، وأنه لا يجوز أن تستحل الهدي، ولا أن تستحل القلائد.
وصورة الهدي هو : إنه إذا توجه أحدهم إلى البيت عزل معه بعضا من ماله، إما من إبل أو بقر أو غنم، ثم يشعر الإبل ويقلدها، والإشعار هو: إن يشق صفحة سنامها حتى يخرج منها دم، ثم يأخذ من ذروة السنام وبرا ويبله حتى يحمر ثم يعقده في ذروة السنام علامة على أنها مهداة إلى البيت؛ حتى لا يتعرض لها أحد، وكذلك التقليد، فيعمد إلى حبال من وبر أو من شعر ثم يربطها في رقابها، وقد يعلق في الرقبة نعلين، كل ذلك ميزة لها؛ فلذلك حرم الله الاعتداء عليها.
وقوله تعالى: لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ أي: لا يستحلوا المشاعر التي تقام فيها المناسك، ولا تستحلوا الشهر الحرام، ولا تستحلوا الهدي الذي يهدى إلى البيت، ولا تستحلوا القلائد.
فإذا رأيت هديا مهدى إلى البيت وعرفت بأنه مشعر بهذا الشعار، وأنه مقلد، فلا تتعرض له، فلا يجوز أن تركبه، ولا أن تحلبه، بل اترك حلابه لولده، ولا أن تذبحه، ولا أن تغتصبه، ولا أن تتملكه؛ لأنه مهدى إلى البيت لتعظيم حرمات الله تعالى، ولا يجوز استحلال القلائد، فلا يجوز لأحد أن يحل القلائد التي في رقبتها؛ وذلك لأنها ميزة لها وعلامة.
والدليل الثاني من الكتاب : قوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ [المائدة: 97] قِيَامًا لِلنَّاسِ بمعنى أنهم يحترمونها فإذا رأوا الهدي احترموه، وإذا رأوا القلائد احترموها فلا يتعرضون لها.
* ومن السنة : فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما توجه إلى مكة في سنة ست ساق معه الهدي وقلدها، ولما وصل إلى الحديبية صده المشركون، ولما صدوه ومنعوه أنزل الله تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ [الفتح: 25] فصدوا الهدي وردوه أن يبلغ محل ذبحه، وقال تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة؛ 196] أي: محل ذبحه.
وكذلك في عمرة القضية ساق النبي -صلى الله عليه وسلم- معه هديا سنة سبع، ولما اعتمر نحره وأباح أن يؤكل وأن يؤخذ منه.
وكذلك لما حج أبو بكر أرسل معه النبي -صلى الله عليه وسلم- هديا وبقي في المدينة ولم يحرم عليه شيء كان حلالا له، وذلك الهدي غنم، تقول عائشة أهدى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم مرة غنما وتقول: فتلت قلائد هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- بيدي فقلدها وأرسلها وأقام بالمدينة ولم يحرم عليه شيء كان حلالا .
وفي حجة الوداع ساق النبي -صلى الله عليه وسلم- معه من المدينة سبعين بدنة وقلدها، وكذلك جاء علي بثلاثين بدنة من اليمن وتمت مائة بدنة، ولما قيل له: لماذا لم تتحلل؟ قال: إني قلدت هدي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر فبقي على إحرامه حتى نحر الهدي يوم النحر.
هذا الهدي كانوا يهدونه كثيرا، ولكن في هذه الأزمنة قل من يهديه؛ وذلك لإنهم رأوا كثرة الذبائح التي هي ذبائح الفدية، ورأوا أن كثيرا منها لا يستفاد منه، فرأوا أنه لا حاجة إلى الهدي، ولكن يجوز الإهداء في غير وقت الحج.
فمثلا إذا اعتمر إنسان في رمضان وساق معه خمس بدن أو أربعا أو عشرا وقلدها، فإذا انتهى من عمرته وقصر أو حلق ذبحها وتركها لمساكين الحرم فله ذلك، ففي حجة الوداع أنه -صلى الله عليه وسلم- لما نحر تلك البدن قال: من شاء اقتطع أي: ترك لهم الحرية، فيأتي هذا فيقتطع قطعة من الفخذ، ويقتطع هذا قطعة من الظهر، ويقتطع هذا قطعة من البطن، وهكذا حتى يقتطعوها.
ويقول علي رضي الله عنه: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على بدنه، وأن أقسم لحومها وجلودها وجلالها على المساكين فقسمها كلها على المساكين، فلحومها معلوم أنها تؤكل، وجلودها تدبغ وتستعمل، وجلالها كذلك أيضا تستعمل، وكانوا يجعلون على ظهر البعير جلالا حتى لا تؤذيه الطيور التي تقع على ظهره وتنقره، فيتصدق حتى بجلالها.