اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
141493 مشاهدة
وجوب الزكاة


كتاب الزكاة




كتاب الزكاة
ألحق المؤلف -رحمه الله- الزكاة بالصلاة؛ لأنها قرينتها في كتاب الله تعالى، فلا تذكر الصلاة إلا وتتبعها الزكاة، وهي فريضة من فرائض الإسلام، وهي حق المال.
تعريف الزكاة
الزكاة لغة : هي في اللغة النماء والزيادة يقال: زكى الزرع إذا زاد وكثر وتنامى.
وشرعا: هي حق واجب في مال مخصوص في وقت مخصوص لطائفة مخصوصة وسميت بذلك لأنها تزكي المال أي تنميه لحديث: ما نقص مال من صدقة .
الأدلة على وجوب الزكاة
لما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- منع كثير من العرب الزكاة، وأكثرهم منعها بخلا، وادعوا أنها خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبعضهم منعها جحودا، فعزم أبو بكر رضي الله عنه على القتال، وكأن بعض الصحابة توقفوا عن قتالهم لكونهم يشهدون الشهادتين، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي بكر عندما هم بقتالهم: كيف نقاتلهم؟ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله، عصموا مني: دماءهم، وأموالهم، إلا بحقها ؛ قال أبو بكر رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال. فكأنه استدل رضي الله عنه بقوله: إلا بحقها أي إلا بحق لا إله إلا الله، ومن حقها الإتيان بمستلزماتها ومكملاتها، ومنها الزكاة، فإنها شعيرة من شعائر الإسلام، وهي كما قال أبو بكر حق المال.
ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق . فاتفق الصحابة على قتال مانعي الزكاة.
وقد استدلوا على وجوب الزكاة بأدلة من الكتاب والسنة:
فمن الكتاب:
قول الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة: 5] فأمر الله بقتالهم حتى يتوبوا، أي: من الشرك، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة.
ومثلها في نفس السورة قوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة: 11] فجعلهم إخوة لهم ولكن بشرط التوبة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ لذلك اتفقوا على قتالهم.

ومن السنة:
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم.... إلخ . ففي هذه الرواية اشترط -صلى الله عليه وسلم- الصلاة والزكاة لترك القتال، أي: يقاتلهم حتى يأتوا بالصلاة والزكاة مع الشهادتين.
وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر فريضة الصلاة، ثم فريضة الزكاة، قال في الزكاة:
من أداها طيبة بها نفسه فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها، وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لمحمد وآل محمد منها شيء . وكأنه لم يفعل؛ لأنه لم يوجد من منعها، فلو منعها أحد في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لأخذها منه، وأخذ شطر ماله تنكيلا.
الحكمة من مشروعية الزكاة
لقد شرع الله تعالى هذه الزكاة لحكم كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال:
أولا: أنها تطهير للمال.
ثانيا: أنها تزكية للمال، أي: تنمية له.
ثالثا: مواساة للمستضعفين.

ولأجل هذه الحكم وغيرها جعل الله تعالى في هذه الأموال حق وهو الزكاة.
فأولا: أنها تطهير للمال: أي: أن الزكاة تطهر المال من المكاسب الردئية، فإن المال قد يختلط به لشيء من الكسب الذي فيه شبهة، فربما يغش في سلعه، وربما يخدع بائعا، وربما يختلس شيئا، وربما يخفي عيبا ونحو ذلك، فهذه المكاسب الردئية تطهرها هذه الزكاة، وتنقيه من دون هذه الشبهة التي وقعت في ماله.
وثانيا: أنها تزكية للمال: وتزكية المال هي: تنميته، فالمال إذا أديت زكاته نما وكثر قدرا من الله تعالى، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: وما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا فإذا تصدق فإن الله تعالى يخلف عليه ودليل ذلك قوله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ: 39] فهذا وعد من الله أنه يخلف ما أنفقت في وجوه الخير، إما خلفا دينيا كمضاعفة الأجر، وإما خلفا دنيويا بأن يزيد مالك وينمو.
وثالثا: مواساة للمستضعفين: قال تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات: 19] وقال تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج: 24، 25] فبين الله تعالى في هذه الآيات أن الزكاة وهي حق المال تصرف لأهله، ومن أهله السائل والمحروم، أي: الفقراء ونحوهم، فإذا كان في الأموال حق فلا تبرأ الذمة إلا بأداء ذلك الحق إلى مستحقه، وإلا فإن المانع له مستحق للعقاب.
لقد علم الله أن في الخلق من هو في حاجة، فليس الخلق كلهم أغنياء، ففيهم المستضعفون، وفيهم الفقراء، وفيهم العجزة، وفيهم الكسالى، وفيهم المساكين، وفيهم المدينون، فجعل في أموال الأغنياء حقا لهؤلاء من باب المواساة، فلو أن الأموال استبد بها الأثرياء وحجزوها وأمسكوها، ولم يخرجوا منها شيئا، لتضرر أولئك.
والله تعالى فرق بين خلقه، فمنهم: من يسر له الأسباب وهيأها له وأعانه على الاكتساب فأعطاه من الأموال ما يدخرها، وما يكون سببا في ثروته وفي غناه، وأعطاه كذلك من الذكاء والفطنة والقدرة على الاكتساب وعلى تحصيل الأموال ما يستطيع أن ينمي به هذه الأموال.
وهناك من هم مثله في الذكاء والفطنة، ولكن لم يتيسر لهم هذا الأمر الذي هو الاكتساب.
إذن فكسب الأموال وجمعها ليس هو بطريقة الذكاء ولا العقل ولا الاحتيال، ولكن بالأسباب مع التوفيق؛ ولذلك يقول الشاعر: ضدان مفترقان أي تفرق/7 [open] ومن الدليل على القضاء وكونه/7 [close] بؤس الرفيق وطيب عيش الأحمق/7
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني/7 لكن من رزق الحجا حرم الغنى/7

أي هناك من هو أحمق مغفل تأتيه الدنيا وتتراكم عليه وتكثر عليه، وهناك أناس أذكياء وأقوياء وأصحاء وعقلاء لا تأتيهم الدنيا، بل يكونون فقراء.
وقد يكون ذلك من الله تعالى، ففي بعض الأحاديث: إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه عن الطعام والشراب أي: أن الله علم أنه لو أعطى عبده فلان من هذه الدنيا لما صلحت حاله.
وذكر ابن رجب في شرح الأربعين النووية حديثا قدسيا يقول الله فيه: إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك .
فالله تعالى هو الذي يختار لعباده، فمنهم: من إذا أغناه الله شكر وقام بحق هذه الأموال وأعطى ما يجب عليه فيها، ومنهم: من إذا أغناه الله بطر وكفر بنعمة الله ولم يشكرها، وكذلك منهم: من إذا أغناه الله لجأ إلى ربه ودعاه وخشع واستكان، ومنهم: من إذا افتقر سب القدر وسب حظه وأخذ يعترض على ربه وعلى القضاء، وربما أوقعه فقره في الكفر أو الشرك ونحو ذلك.
وهذه الأموال التي يسهلها الله لبعض الناس ثم يرزقه القيام بحقها، لم يدفعه غناه إلى ما لا تحمد عاقبته، بل شكر نعمة الله وأدى حقوقها فإن ذلك من سعادته وحسن حظه.
ومنهم: من يرزقه الله المال الكثير، فيمسكه ويبخل به ولا يؤدي حقه، وقد يكون ذلك سببا في تلفه، ففي الحديث المشهور: أن الملكين يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا . فالغنى الذي يحمد صاحبه هو الذي يؤدي حقوقه.
ومعلوم أن الفقراء وعوام الناس يحترمون أصحاب الأموال ويجلونهم ويرون لهم قدرهم، وهذه طبيعة في المخلوقات والناس عامة يميلون إلى ذلك.
قال بعضهم:
رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مـالُ
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عند، ذهـبُ
رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضـة

ويقول آخر:
أجلك قوم حين صرت إلى الغنى وكل غني في العيون جليل
إذا مالت الدنيا إلى المرء رغبت إليه ومال الناس حيث تميل
وليس الغنى إلا غنى زين الفتى عشية يقري أو غداة ينيل

فلما فرق الله تعالى بين الناس جعل في هذه الأموال هذا الحق المعلوم، وأمر بإخراجه وإعطائه إلى مستحقيه، وأمر بأخذه من أهله وصرفه في وجوهه، فقد قال تعالى لنبيه: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103] .
وقد أخبر الله تعالى بأنه يجازي أهل الصدقة في قوله: وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ [يوسف: 88] وهذا الجزاء لا بد أن يتحقق بإذن الله.
وعلى كل حال الصدقة من أفضل الشعائر التي شرعها الله تعالى والتي أمر بها، سواء صدقة الفريضة أو صدقة التطوع، ولها أحكام كثيرة مذكورة في الكتب المطولة.
تحقيق العبودية لله في الزكاة:
الزكاة من قسم العبادات، وهي عبادة مالية، وهي قربة يتقرب بها إلى الله تعالى، وقد تقول: إن العبادات مشتقة من التعبد الذي هو التذلل، وإن العبادات البدنية فيها تذلل وخضوع كالصوم والحج والصلاة والجهاد وما أشبهها، فكيف يكون تحقيق التذلل لله في الزكاة؟
الجواب: إن الإنسان يحرص غالبا على اكتساب المال وعلى جمعه؛ ليسد به حاجته وليغني به فاقته، فإذا علم أن لله تعالى فيه حقا، فإنه يخرج ذلك الحق تقربا إلى الله، فعند إخراجه يشعر من نفسه إنه متذلل مستضعف، وأنه بحاجة إلى أن يجزل الله أجره، ويعظم ثوابه، ويكفر الأجر الذي يترتب على هذه العبادة، فيكون بذلك متعبدا لله، ولو كانت عبادة مالية.
والمال فيه أنواع كثيرة من العبادات، فإنفاقه في الجهاد عبادة، وإنفاده في الحج إذا حج بنفسه وأنفق من ماله أو أنفق على الحجاج عبادة، وكذلك إنفاقه في الكفارات عبادة، وإنفاقه في الوفاء بالنذور عبادة، وكذلك أيضا إنفاقه على الأولاد عبادة إذا احتسب الأجر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- إنك لن تنفق نفقة تحتسبها إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في في امرأتك ؛ فنفقته على زوجته، ونفقته على أبويه، ونفقته على أولاده، ونفقته على نفسه؛ يعتبر كل ذلك من العبادات.
فعرف بذلك أن العبادات ليست خاصة بالعبادات البدنية؛ بل تلحق بها العبادات المالية.