إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
حرمة مكة والمدينة
وعن أبي هريرة اسم> رضي الله عنه قال: لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: رسم> إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي؛ فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين. فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا. فقال: إلا الإذخر متن_ح> رسم> متفق عليه حديث> وقال: المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، رواه مسلم .
* حرمة مكة والمدينة رأس>
قوله: (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله على رسوله مكة اسم> إلخ):
وذلك لأنها لما فتحت ودخلها المسلمون ظن بعضهم أن حرمتها قد زالت، وأنه يجوز فيها ما يجوز في غيرها، فاعتدى رجل من هذيل على آخر وقتله لثأر قديم، فسمع بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقام وخطب الناس، فقال: رسم> إن الله حبس عن مكة الفيل متن_ح> رسم> - أي: أصحاب الفيل الذين أرسل عليهم طيرا أبابيل، فحبس أصحاب الفيل عن مكة-وسلط عليها رسوله والمؤمنين، لأنهم على حق؛ ولأنهم جاءوا لتطهيرها. ثم قال: رسم> إنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار متن_ح> رسم> وهو ذلك اليوم الذي قاتل فيه، فأحلت له ثم عادت حرمتها، ثم قال -صلى الله عليه وسلم- رسم> وإنها لن تحل لأحد بعدي متن_ح> رسم> وفي رواية: رسم> قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس متن_ح> رسم> .
ثم ذكر ما يحرم فيها، فقال: رسم> فلا ينفر صيدها متن_ح> رسم> وإذا كان لا ينفر، فبطريق الأولى أنه لا يقتل، ويدخل في الصيد الحمام والعصافير والوعول، والصيد كله لا ينفر بل يترك فيها، ومن دخلها ومعه صيد فإنه يخليه، فلو دخل إنسان معه ظبي أو حمام خلى سبيله ولم يتعرض له.
ثم قال -صلى الله عليه وسلم- رسم> ولا يختلى شوكها متن_ح> رسم> وفي رواية: رسم> ولا يختلى خلاها متن_ح> رسم> والمراد بالخلى المرعى، أي: لا يُجَزُّ المرعى والنبات والعشب الذي في أرضها، بل يترك تأكله الدواب، وكذلك لا يعضد شجرها، أي: لا يقطع الشجر الذي ينبت بنفسه، وأما الذي ينبته الآدمي فإنه ملكه، فإذا أنبت شجرة كنخلة مثلا أو عنبة أو تينة أو نحوها فإنه يجوز له التصرف فيها.
ثم قال: رسم> ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين متن_ح> رسم> ؛ لأن قتله يعتبر ظلما، فهو إما أن يأخذ الدية، وإما أن يقتص، فمن قتل له قتيل فإما أن يطلب القصاص، وإما أن يأخذ الدية.
ولما ذكر منع الخلاء وقطع شجرها كانوا بحاجة إلى شجر يقال له الإذخر، فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال: إلا الإذخر، والإذخر: شجر أو نبات أعواده دقيقة، يجزونه ويجعلونه في القبور بين اللبنات، ويجعلونه بين الخشب في السقوف ولحوها، ويوقد بها القين، أي: أن الحداد يوقد به ماء النار حتى يحمى الكير، فهم ينتفعون به فاستثناه الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وقال: رسم> المدينة حرام ما بين عير إلى ثور متن_ح> رسم> .
وقد اختلفوا هل في المدينة اسم> جبل يقال له: ثور، فأنكر ذلك بعضهم، وقال: إنما ثور اسم> يعرف بمكة اسم> ولكن صحح بعض المحققين أنه جبل صغير خلف أحد يسمى ثورا اسم> وعير في جنوب المدينة اسم>
فقوله: ما بين عير وثور: أي: ما بين عير الذي في جنوب المدينة اسم> و ثور اسم> الذي خلف أحد.
وفي حديث آخر قال -صلى الله عليه وسلم- رسم> ما بين لابتيها حرام متن_ح> رسم> واللابتان هما: الحرتان الشرقية والغربية، والحرة هي: أرض تركبها حجارة سوداء، فما بينهما يعتبر حرما.
فنعرف من هذين الحديثين أن ما بين عير جنوب المدينة وثور خلف أحد، وما بين الحرتين شرقا وغربا كل هذا يعتبر حرما، ولكن ليس فيه فدية، فإذا قتل صيدا أو قطع شجرة فليس فيه فدية، ولكنه يمنع من قطع الشجرة، ويمنع من قتل الصيد ويحرم عليه ذلك.
مسألة>