الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
141379 مشاهدة
صلاة الخوف

وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها النبي -صلى الله عليه وسلم-
فمنها: حديث صالح بن خوات عمن صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صلت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم متفق عليه .
وإذا اشتد الخوف: صلوا رجالا وركبانا إلى القبلة وإلى غيرها، يومئون بالركوع والسجود.
وكذلك كل خائف على نفسه يصلي على حسب حاله، ويفعل كل ما يحتاج إليه فعله من هرب أو غيره.
قال -صلى الله عليه وسلم- إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم متفق عليه .


قوله: (وله الفطر برمضان):
هكذا ذكر المؤلف هذه الجملة، وسوف نؤخر الكلام عليها إلى كتاب الصيام إن شاء الله .
ثالثا: الخائف:
قوله: (وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم إلخ):
لقد رويت صلاة الخوف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بست صفات أو بأكثر منها، وأكثر من استوفاها ابن جرير في كتاب التفسير في سورة النساء، وذكر عدة روايات ذكر فيها عدة صفات لصلاة الخوف، وكذلك أيضا من الذين توسعوا في ذكر الصفات البيهقي وغيره، فكل صفة ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه يجوز أن يصليها بها.
فمنها صلاته في غزوة ذات الرقاع التي رواها صالح بن خوات عمن صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أبهم الذي صلى، وهو سهل بن أبي حثمة، يقول سهل: إنه صلى مع النبى -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، وأن طائفة صفت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وطائفة تجاه العدو (أي: مقابلة العدو) مخافة أن العدو ينتهز انشغالهم بالصلاة فيغير عليهم، فهذه الطائفة وقفت تحميهم حتى لا يأتيهم العدو، فصلى بالطائفة الذين معه ركعة ثم قام وأشار إليهم أن يصلوا لأنفسهم ركعة، فأتموا لأنفسهم ركعة، فسلموا وانصرفوا قبل الإمام، وقاموا تجاه العدو، وجاءت الطائفة التي كانت تحرسهم، فصفوا خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- ولما تكاملوا وراءه صلى بهم الركعة التي بقيت له، ثم جلس وأشار لهم أن يتموا، فأتموا لأنفسهم ركعة أخرى، ثم لما علم أنهم أتموا سلم بهم.
وقد يقال: إن في هذه الصلاة إشكالات:
منها: كيف فهموا هذا الأمر، فلعله قال لهم: إذا صليت بكم ركعة فأتموا لأنفسكم.
ومنها: أنه قد يطيل وقوفه، فإنه مثلا لما صلى بهم ركعة وقام وهم خلفه ركعوا لأنفسهم ثم سجدوا ثم سلموا، وهو لا يزال قائما، ثم ذهبوا ثم وقفوا تجاه العدو، ثم جاء هؤلاء ثم صفوا وتكاملوا خلفه، فلا شك أنها ستطول مدة وقوفه فيمكن أن ذلك يستغرق عشرين أو خمس عشرة دقيقة وهو واقف ينتظرهم، ولكنه صبر على هذا الوقوف.
ومنها أيضا : لما أنه صلى الركعة التي بقيت كيف فهموا أنه أمرهم بالإتمام؟
لعله أشار إليهم بيده أن قوموا وأتموا، أو علمهم قبل ذلك أن إذا صليت بكم الركعة التي علي فقوموا وأتموا لأنفسكم ففعلوا ذلك امتثالا.
يقول الإمام أحمد : هذه الصفة أقرب إلى القرآن، فإن الله تعالى قال في صلاة الخوف: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ [النساء: 102] فدل على أنهم انقسموا قسمين: طائفة صلت معه وسجدوا وأتموا لأنفسهم، وطائفة جاءت بعد ذلك وهم لم يصلوا فصلوا معه.
قوله: (وإذا اشتد الحوف صلوا رجالا وركبانا إلى القبلة والى غيرها... إلخ):
قال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة: 238، 239] (رجالا)، أي: راجلين، أي: على أرجلكم، و(ركبانا) أي: راكبين، على الخيل أو على الإبل، وفي هذه الحال يصلون ولا يفوتون الوقت، لأن الوقت أهم فيصلون ويومئون بالأركان، وكل يصلي لنفسه، فيومئ بالركوع ويومئ بالسجود، ويحاول أيضا استكمال الواجبات القولية والقراءة وما أشبه ذلك.

ويسقط عنه استقبال القبلة، أي: لزوما، وذلك للحالة الشديدة، وعندما يومئون بالركوع والسجود يجعلون السجود أخفض من الركوع، ومع ذلك يفعلون ما يحتاجون إلى فعله وهم في الصلاة، فيضرب أحدهم بالسيف، ويرمي بالسهم، ويلحق الكافر ويسرع في إدراكه -مثلا- أو يهرب منه أو نحو ذلك، فيفعلون ما يستطيعون.
ويدخل في ذلك الهارب والطالب، فالهارب الذي يطرده العدو، ويخشى أن تفوت الصلاة، فيصلي وهو هارب يسعى، والطالب كذلك، فإذا كان يطلب هاربا من المشركين ويخشى أن يفوته يومئ إيماء؛ حتى لا يفوته، واستدل المؤلف بهدا الحديث وهو قوله: -صلى الله عليه وسلم- إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وكذلك بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] .