اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
143073 مشاهدة
من لا يستحق الزكاة


ولا تحل الزكاة: لغني، ولا لقوي مكتسب.
ولا لآل محمد، وهم بنو هاشم، ومواليهم، ولا لمن تجب عليه نفقته حال جريانها، ولا لكافر.


قوله: ( ولا تحل الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب):
جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبان الزكاة، فنظر إليهما فرآهما جلدين فقال: إن شئتما أعطيتكما، ولا تحل الزكاة: لغني، ولا لقوي مكتسب . فاشترط في القوي أن يكون مكتسبا؛ لأن هناك من يكون قويا في البدن، ولكنه لا يستطيع الاكتساب، ولا يعرف التكسب، ولا يحسن تنمية المال، ولا الاحتراف ولا الاشتغال، فيكون فقيرا.
والغني: قيل: إنه من كان عنده مال مزكى؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قسمهم إلى قسمين: قال: تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فالذي عنده مال فيه
زكاة يعتبر غنيا، والذي ليس عنده مال فيه زكاة يعتبر فقيرا، وهذا تحديدهم.
وقديما حددوهم بربع النصاب، فقالوا: الغني الذي يملك خمسين درهما، وهي ربع النصاب.
والصحيح أن هذا لا يخضع لتعريف؛ بل كل زمان يقاس أهله به، ففي زماننا لو أن إنسانا يملك ألفا أو نصف الألف لا يعد غنيا؛ لأن الألف لو بدت له حاجة لأنفقها، ولو نزل به ضيف لم تكفه ضيافة، ولو احتاج إلى كسوة لم تكفه لكسوة أهله أو لكسوة نفسه، فلا يعد غنيا في هذه الحال.
وكذلك أيضا في الزمان الأول الذي أدركناه، فنحن أدركما- مثلا- زمانا السلع فيه رخيصة ومتوفرة، حتى أن أحد أعمامي ذكر أنه حج وليس معه إلا سبعة ريالات أنفق منها، حتى الفدية وجدها بأقل من الريال، والبقية نفقته وأكله في ذهابه وإيابه، وذلك قبل أكثر من تسعين سنة، فالزمان يختلف.
قوله: (ولا لآل محمد، وهم بنو هاشم):
أي: ولا تحل الزكاة لآل النبي -صلى الله عليه وسلم - الذين هم بنو هاشم، وكثير من العلماء قالوا: وبنو المطلب، وذلك لأن عبد مناف أبا هاشم أولاده أربعة: هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل، فأما بنو هاشم فهم الذين منهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وبنو المطلب من ذربة عبد مناف، فلما حصر بنو هاشم في الشعب دخل معهم بنو المطلب، وقالوا: إنتم إخواننا ولا نرضى أن نتخلى عنكم؛ فلذلك أعطاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفيء ومن الغنيمة، وجعل لهم هذا الحظ، وجعلهم من ذوي القربى المذكورين في قوله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال: 41] ولم يعط بني نوفل ولا بني عبد شمس؛ لأنهم لم يناصروهم، فقال في بني المطلب: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام .
فاختلف العلماء هل يحرمون من الزكاة مع فقرهم أو يعطون من الزكاة؟
فكثير منهم قالوا: ما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يولهم على الزكاة ولم يعطهم من الزكاة واقتصر على إعطائهم من خمس الخمس ومن الفيء، فإن ذلك دليل على أنهم مثل بني هاشم.
والراجح أنهم ليسوا مماثلين لهم، وأن الحكم يختص ببني هاشم، وأن بني هاشم هم الذين يسمون بذوي القربى.
وقد اختلف أيضا العلماء اختلافا آخر في ذوي القربى؛ فذهب بعضهم إلى أن ذوي القربى هم أقارب الخليفة، ولو لم يكن من بني هاشم، فلما كانت الخلالة في بني أمية كانوا يستبدون بهذا القسم الذي هو سهم ذوي القربى، فيقولون: نحن من ذوي قربى، ولما الت الخلافة إلى بني العباس، فبنو العباس من بني هاشم، استعاروا سهمهم الذي هو سهم ذوي القربى.
والحاصل أن بني هاشم لا يعطون من الزكاة، وقد علل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بأنها أوساخ الناس فلا تحل لهم، حتى أن الحسن مرة أخذ تمرة من تمر الصدقة فوضعها في فمه، فلم يتركها النبي عليه الصلاة والسلام حتى أخرجها وعليها ريقه، وألقاها في الصدقة؛ بقوله: كخ كخ إنها لا تحل لنا مع كونه طفلا، ولما وجد تمرة في الطريق، قال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها خشية أن تكون من الصدقة، فكل ذلك دليل على تورعه عليه الصلاة والسلام، ثم علل بقوله: إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم عن الصدقة .
وقد اختلفط الآن هل يعطون أو لا يعطون؟ وذلك لأنهم الآن قد يكونون محرومين من بيت المال ومن خمس الخمس ومن الفيء ولا يأتيهم شيء، ويعتري كثيرا منهم غرامات وديون، ويحتاجون إلى أن يعطوا ما يخفف عنهم، وقد لا يجدون من يعطيهم إلا من الزكاة؛ فلذلك رخص لهم عند الحاجة، ولطول الزمان، فبينهم وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو ثلاثين جدا، فكيف يصيرون من ذوي القربى مع بعد النسب؛ لذلك رأى بعض العلماء إنهم يعطون عند الحاجة.
قوله: (ومواليهم):
أما الموالي فدليله حديث أبي رافع لما قال له رجل: اصحبني حتى تصيب من الصدقة، فاستشار النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنها لا تحل لنا الصدقة، ومولى القوم منهم .
والصحيح أنها خاصة بالأقرباء الذين في ذلك العصر، فأما المتأخرون فإنهم إذا احتاجوا يعطون ما يسد حاجتهم.
قوله: (ولا لمن تجب عليه نفقته حال جريانها):
أي: ولا يحل للمزكي أن يعطي الزكاة لمن تجب علمه نفقته وقت وجوبها، مثال ذلك: إن يعطيها أبويه، فلو افتقر أبواه لألزمناه أن ينفق عليهما، أو أن يعطيها زوجته فإنه يجب عليه أن ينفق على زوجته ولو كان فقيرا، فلا يجعل الزكاة عوضا عن النفقة الواجبة عليه.
أما إذا كان وقت جريانها لا يرثه ولا تجب عليه نفقته فإنه يجزئ، فلو كان لك أولاد ولك أخ فقير، فإنك تعطي أخاك من الزكاة؛ لأنه لا تجب عليك نفقته، لأنه لا يرثك، أما إذا لم يكن لك أولاد ولا له فإنه إذا افتقر وجب عليك الإنفاق عليه من غير الزكاة؛ لأنك ترثه وهو يرثك.
فالحاصل أنه لا تعطى لمن تجب عليه نفقته، وهو القريب الذي تجب النفقة عليه، لئلا يجعلها حيلة لإسقاط النفقه.
قوله: (ولا لكافر):
فإذا كان للمزكي قريب كافر ولو كان مسكينا ولو كان فقيرا؛ فلا حق له في الزكاة.