لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
142026 مشاهدة
المسح على الخفين ونحوهما

فصل [في المسح على الخفين والجبيرة]
فإن كان عليه خفان ونحوهما مسح عليهما،


[باب: المسح على الخفين والجبيرة] .
قوله: (فإن كان عليه خفان ونحوهما مسح عليهما): المسح على الخفين مشهور، وهو مما نقل بالتواتر، ولم ينقل عن أحد من السلف إنكاره إلا عن المبتدعة كالخوارج والروافض ونحوهم، فالرافضة إلى الآن ينكرونه، أما أهل السنة فيعتقدونه، حتى إنهم جعلوه من جملة العميدة وذكروه في كتب العقيدة كما في الطحاوية وغيرها؛ لأن المخالفين فيه هم المخالفون في العقيدة، ولأنهم مخالفون للنصوص القطعية، قال الإمام أحمد: ليس في نفسي من المسح شيء، فيه أربعون حديثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أي: الأحاديث الثابتة، وإلا فهي لثر، فقد سرد صاحب (نصب الراية) ستة وخمسين حديثا عن ستة وخمسين صحابيا.
والخف: اسم لنعل مصنوع من جلود ويجعل فوق ظهرها جلد آخر تربط به ويخرز فيه، ويجعل لها ساق أيضا من جلود، ثم يعقد على الساق، وتسمى قديما (الزوبول) وهي لغة فصيحة أيضا، وإن كان نوعا من أنواعها.
ومن أنوعها (الجرموق): وهو خف طويل له ساق، ومما يشابهها (البسطار) الذي يلبسه العسكر ونحوهم، فإنه يستر القدم كلها، ويستر الواجب فرضه إلى نصف الساق أو ربعه، فيمسح على هذا كله إذا تمت الشروط.
وأما ما يسمى بالشراب ويعرف بالجورب، فهذه في المسح عليها خلاف، فقد ذهب الإمام أحمد إلى جواز المسح عليها إذا كانت صفيقة، ولم ير ذلك بقية الأئمة، وقالوا: لأن الماء يخرقها، فلا يصح المسح عليها إذا كانت منسوجة من القطن أو الصوف أو ما أشبهها ولكن الحاجة داعية إلى ذلك فيجوز المسح عليها بشرط أن تكون صفيقة بحيث تستر البشرة، وتحصل بها التدفئة، لأن القصد من لبسها تدفئة القدم.
ودليل الإمام أحمد فعل الصحابة، فقد روى عن ثلاثة عشر صحابيا أنهم مسحوا على الجورب، وينتبه إلى أن كثيرا من الناس يتساهلون فيمسحون على الجوارب وهي رقيقة أو مخرقة، وهذا لا يجوز.
وأما الخف المخرق فإنه يمسح عليه؛ لأن أخفاف الصحابة كان بها خروق غالبا.