إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
202490 مشاهدة print word pdf
line-top
شروط الحج

والاستطاعة: أعظم شروطه، وهي: ملك الزاد والراحلة، بعد ضرورات الإنسان وحوائجه الأصلية.


قوله: (والاستطاعة: أعظم شروطه، وهي: ملك الزاد والراحلة، بعد ضرورات الإنسان وحوائجه الأصلية):
فسرت الاستطاعة بأن يملك زادا وراحلة بعد حوائجه الأصلية وضرورات الإنسان، والزاد هو: الذي يبلغه ذهابا وإيابا، أي: النفقة، و الراحلة هى: التي يركبها وتؤديه ذهابا وإيابا، أو يجد أجرة يستأجر بها ما يركب به.
كان السفر قديما على الإبل؛ لأنها هي التي تحمل الأثقال: وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [النحل: 7] فكان من وجد راحلة من الإبل التي تحمل مثله زائدة على حوائجه الأصلية، فإنه يلزمه الحج.
أما في هذه الأزمنة فوجدت هذه المراكب الجديدة التي يسرها الله، المراكب الجوية: الطائرات، والمراكب البرية: السيارات، والمراكب البحرية: الباخرات، وهذه سهلت على الناس؛ فلذلك أصبحت المؤونة أقل، والصعوبة أسهل مما كان عليه في الزمان الماضي؛ لذلك يقال: إن الحج تيسر، ولم يعد صعبا كما أخبر الله بذلك في قوله: لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [النحل: 7] .
والحاصل أنهم اشترطوا للحج ستة شروط
الأول: الإسلام: فلا يجب على الكافر، الثاني: البلوغ : فلا يجب على الصغير، الثالث: الحرية : فلا يجب على المملوك؛ لأنه مشغول بخدمة سيده، الرابع: الاستطاعة : التي هي القدرة على الوصول، الخامس: الأمن أي: أمن الطريق؛ لأنه إذا كان مخوفا، كأن يكون فيه قطاع طرق مثلا فإنه يصعب عليه أن يسلكه، السادس: خاص بالمرأة وهو: وجود محرم
فإذا تمت الشروط وجب الحج.
مسألة:
هل يجب الحج على الفور أم على التراخي ؟
ذهبت الشافعية إلى أنه على التراخي، واستدلوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخره إلى سنة عشر، ولو كان على الفور لم يؤخر، والجمهور على أنه يحب على الفور واستدلوا بأنه عليه الصلاة والسلام قال: تعجلوا الحج- أي: الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له .
وأجابوا عن تأخره -صلى الله عليه وسلم- عن الحج أنه كان لعذر، فالسنة التي حصل فيها فتح مكة كان منشغلا بالجهاد وبالحصار وبقسم الغنائم، وكذلك لا زال أهل الجاهلية يحجون والمشركون كثير، أما سنة تسع فكان المشركون يحجون فيها ويفعلون في الحج عادات أهل الشرك، فأراد أن يطهر البيت قبل أن يحج فأرسل أبا بكر حاجا ومعه بعض الصحابة، وأمرهم أن ينادوا: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف في البيت عريان، فلما كانت السنة العاشرة وكانت البلاد قد أمنت، وكان المسلمون قد عرفوا حرمة البيت، حج في تلك السنة، وبين للناس مناسكهم، وسميت حجة الوداع؛ لأنه ودع الناس فيها.

line-bottom