إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
باب الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة
باب الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة
يستحب إذا دخل الخلاء: أن يقدم رجله اليسرى ويقول: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث .
وإذا خرج منه: قدم اليمنى، وقال: غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني .
يعتمد في جلوسه على رجله اليسرى، وينصب اليمنى.
ويستتر بحائط أو غيره، ويبعد إن كان في الفضاء.
ولا يحل له أن يقضي حاجته في: طريق، أو محل جلوس الناس، أو تحت الأشجار المثمرة ، أو في محل يؤذي به الناس.
ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها حال قضاء حاجته لقوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا متن_ح> رسم> متفق عليه حديث> .
فإذا قضى حاجته: استجمر بثلاثة أحجار ونحوها ، تنقي المحل، ثم استنجى بالماء، ويكفي الاقتصار على أحدهما.
ولا يستجمر بالروث والعظام ، كما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك كل ما له حرمة.
[باب: الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة]
تكلم المؤلف رحمه الله في هذا الباب عن آداب قضاء الحاجة رأس> ؛ لأن ذلك مما تعم به البلوى، وتكلم فيه أيضا على تطهير محل النجاسة، وهو ما يسمى بالاستنجاء، وتكلم فيه أيضا على تطهير النجاسات كلها، فذكر النجاسات وذكر كيفية تطهيرها.
وقد توسع الفقهاء رحمهم الله في هذا الباب، وفي هذه الآداب، وألحقوا بها خصال الفطرة رأس> التي حث عليها الشرع في قوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط متن_ح> رسم> . وكذلك تكلموا فيه على الترجل والادهان وغيره، ولكن المؤلف رحمه الله ترك ذلك اختصارا.
قوله: (يستحب إذا دخل الخلاء، أن يقدم رجله اليسرى ويقول: بسم الله، اللهم إلي أعوذ بك من الخبث والخبائث):
لأن اليسرى تقدم للأشياء المستقذرة أو المفضولة، ولا شك أن أماكن قضاء الحاجة كدورات المياه وغيرها مستقذرة، فيقدم لها رجله اليسرى، وإذا خرج قدم اليمنى، بخلاف المسجد، فإنه يقدم اليمنى دخولا، ويقدم اليسرى خروجا.
ثم يدعو بقوله. (بسم الله)، وقد ذكرت التسمية في حديث وذكر العلة أن التسمية تكون حاجزة بينكم وبين الشياطين، وفي بعض الأحاديث:
رسم> أن الشياطين تلعب بمقاعد بني آدم متن_ح> رسم> وفي حديث آخر: رسم> ستر ما بيننا وبين الشياطين: ذكر اسم الله رسم> فإذا ذكر اسم الله عند الدخول كان ذلك حاجزا له من هذه الشياطين: شياطين الجن، وشياطين الأبالسة.
ثم يقول: رسم> اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث متن_ح> رسم> وقد ورد تفسير الخبث أنهم هم: الذكران، والخبائث هم: الإناث، فيستعاذ من ذكران الشياطين
وإناثهم، وقرأها بعضهم بإسكان الباء الخُبْث، وقال: المراد بالخبث: الشر، والخبائث: الأشرار؛ سواء من الجن أو الإنس.
قوله: (وإذا خرج منه قدم اليمنى، وقال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني):
قالوا مناسبة ذكر المغفرة: أن الإنسان حين يدخل وهو مستثقل بهذا الأذى، فلما خرج وقد خف تذكر ثقل الذنوب، فقال: غفرانك أي: يا رب خفف عني الذنوب، كما خففت ذلك الأذى.
وقيل: إن مناسبة طلب المغفرة التقصير في شكر هذه النعمة، فالله أنعم عليه بالطعام الحلال الطيب، ثم أنعم عليه بإخراجه وإزالته والتخلص منه بسهولة وعدم أذى؛ ولهذا حمد الله بقوله: رسم> الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني متن_ح> رسم> .
أي من علي ولم ألق بؤسا ولا ضررا، لا في الأكل ولا في التخلي.
قوله: (ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى وينصب اليمنى... إلخ):
والسبب في اعتماده على رجله اليسرى في الجلوس ونصب اليمنى: قيل:
أنه لتكريم الرجل اليمنى، وقيل: إنه أسهل للخروج، وقد ورد ذلك في حديث وإن كان فيه مقال لكن من باب الأفضلية لا الوجوب.
قوله: (ويستتر بحائط أو غيره، ويبعد إن كان في الفضاء):
أما الاستتار فقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ذهب للخلاء أبعد وأنه كان يستتر، فكان يحب -صلى الله عليه وسلم- أن يستتر بجنب حائط أو شجرة أو صخرة أو نحوها حتى أنه مرة لم يجد إلا شجرتين متفرقتين، فأمره الله أن يدني إحداهما إلى الأخرى فقربتا حتى صارتا كشجرة واحدة وسترته مما يدل على أنه يحرص
على الاستتار إذا جلس إلى قضاء الحاجة ؛ وذلك لأنه على حالة مستقذرة فيندب أن يستر نفسه عن أعين الناظرين، وإذا كان في فضاء فإنه يبعد عن الناس حتى لا يؤذيهم بما يخرج منه.
قوله: (ولا يحل له أن يقضي حاجته في طريق... إلخ):
ذكر المؤلف -رحمه الله- الأماكن التي يجتنب فيها قضاء الحاجة ، فمن ذلك:
1- الطريق؛ لأن الناس يسلكون هذا الطريق، فيتأذون بهذا القذر.
2- محل الجلوس الذي يجلس فيه الناس إذا كان في ظل حائط أو ظل شجرة، فإنهم يتأذون إذا تغوط فيه.
3- تحت الشجرة التي عليها ثمر؛ ربما يتساقط الثمر على هذا النتن فيقذرها.
4- في أي مكان يتأذى الناس به.
قوله: (ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها حال قضاء الحاجة لقوله صلى الله عليه وسلم... إلخ):
استقبال القبلة واستدبارها ورد فيه أحاديث كثيرة، وقد صحح شيخ الإسلام أنه لا يجوز استقبالها ولا استدبارها مطلقا، وتبعه ابن سعدي اسم> هنا فقال: (لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها حال قضاء الحاجة) ولم يقل: إلا في البنيان، بل أطلق، فدل على أن هذا اختياره؛ ولأنه اختيار شيخ الإسلام، والأحاديث التي فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد استقبل القبلة أو استدبرها محمولة على العذر أو محمولة على الخصوصية.
واستدلوا بالنهي عن استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة بهذا الحديث، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا متن_ح> رسم> .
فهنا واضح أن الحكم عام، وأنه لا يجوز لأحد أن يستقبل القبلة في أي مكان، سواء كان فضاء أو بنيانا، وهذا هو القول الصحيح.
وعليه فإذا دخلت الأماكن المبنية -كهذه الدورات- ووجدتها قد وجهت للقبلة فإنك تنحرف قليلا إما يمينا أو يسارا، ولو كنا داخل البيوت، ففي تمام حديث أبي أيوب اسم> هذا، يقول أبو أيوب اسم> فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها، ونستغفر الله عز وجل .
قوله: (فإذا قضى حاجته استجمر بثلاثة أحجار ونحوها تنقي الحل... إلخ):
الاستجمار : هو مسح أثر الخارج (البول والغائط) بالأحجار ونحوها، وسمي استجمارا اشتقاقا من الجمرات وهي الحصيات الصغيرة؛ لأن الغالب عليها أنها تكون كجمر النار في صغرها، ويستجمر، أي: يأخذ ثلاثة أحجار ويمسح أثر الخارج من القبل أو الدبر.
وقوله: (ونحوها) يدل على أنه يجوز الاستجمار بغير الأحجار رأس> أي: بكل شيء ينقي، إلا ما نهي عنه كما سيأتي.
والحكمة في الاستجمار أن يذهب جرم النجاسة، أي: ما يلتصق بالبشرة من النجاسة يزيله بهذه الأحجار، يمسح بها الصفحتين والمسربة، وإذا لم ينق بثلاثة زاد حتى ينقي، ويسن ختمه على وتر كما ورد في الحديث: رسم> ومن استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج متن_ح> رسم> .
والاستنجاء بالماء رأس> بعدها أفضل فيبدأ بالأحجار ثم بالماء، وذلك لأن الاستجمار يزيل العين، والماء ينظف المحل ويغسل الأثر، ويكفي الاقتصار على أحدهما إذا أنقى، فمثلا إذا حصل الإنقاء بالأحجار وإزالة الأثر كله كفى ذلك، ويكفي أيضا الاقتصار على الماء؛ لأن الماء ينظف، لكن كأن المؤلف يستحب الجمع بينهما لأنه ذكر الاستجمار ثم الاستنجاء، فالجمع أفضل أن يستجمر ثم يستنجي ، فإذا اقتصر على أحدهما فالماء أفضل.
قوله: ( ولا يُستجمَر بالروث والعظام رأس> ؛ كما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم):
فقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يستجمر بالعظم والروث، وقال: رسم> إنهما لا يطهران رسم> وفي حديث آخر أنه ألقى الروثة، وقال: رسم> هذا ركس متن_ح> رسم> وفي حديث آخر قال: رسم> إنهما طعام إخوانكم الجن متن_ح> رسم> أي: العظم طعامهم، والروث علف لدوابهم، وبكل حال لا يستنجى بها.
وكذلك لا يستنجى بما له حرمة كأوراق المصاحف رأس> فهذا حرام، ولا بكتب العلم، ولا بالطعام ككسر الخبز وغيرها؛ لما لها من الحرمة.
انتهى ما يتعلق بالاستنجاء والاستجمار.
مسألة>