جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
162834 مشاهدة
العدد الذي تنعقد به صلاة الجماعة

وأقلها: إمام ومأموم، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله. وقال -صلى الله عليه وسلم- صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة متفق عليه .
وقال: إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم فإنها لكما نافلة رواه أهل السنن .



قوله: وأقلها: إمام ومأموم، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله... إلخ):
وأقل الجماعة اثنان؛ للحديث الذي في سنن ابن ماجه: اثنان فما فوقهما جماعة أي: إمام ومأموم، وكلما كان أكثر كان أحب إلى الله تعالى؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله والمعنى: أنه إذا فاتته الصلاة فليحرص أن يجد واحدا يصلي معه الجماعة، وهذا يرد على ما ذهب إليه الحنفية والشافعية من أن المتأخرين إذا جاءوا بعد الصلاة يصلون فرادى، مثل الباكستانيين ونحوهم، إذا دخلوا صلى كل واحد وحده، ولا يجتمعون لجماعة، وهذا قول في مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة، ولو كان الشافعي سمع هذا الحديث لما حاد عنه، أو لعل هذا القول لم يثبت عنه.
ودل على ذلك أيضا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة أليس إذا صلى هذا وحده وهذا وحده نسميه فذا؟ بلى. ثم أليس إذا قدموا واحدا منهم وائتموا به نسميهم جماعة؟ بلى. حتى ولو كان المسجد قد صلي فيه.
كذلك عندما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الفجر ورأى رجلين في مسجد الخيف فجيء بهما ترعد فرائصهما من الخوف، وسألهما: ما منعكما أن تصليان معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، فقال: إذا صليتما في رحالكما وأتيتما مسجدنا فصليا معهم، فإنها لكما نافلة فهذه تسمى إعادة الصلاة، فهؤلاء كانت رحالهم بعيدة، لأنهم بمنى وكانوا متفرقين، فقد صلوا في رحالهم ثم أتوا وقد أطال النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة فأدركوها معه.