اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
162856 مشاهدة
صيام المريض والمسافر

والمريض الذي يتضرر بالصوم، والمسافر: لهما الفطر والصيام.


صيام المريض والمسافر:
قوله: ( والمريض الذي يتضرر بالصوم، والمسافر لهما الفطر والصوم):
فإذا قال المريض: إنا يضرني الصوم، ولكنني سوف أتحمل وأصبر على الضرر، جاز له ذلك، وإن كان الأفضل له أن يأخذ برخصة الله.
والمسافر له الفطر والصوم فإذا قال: إنا سوف أصوم مع المشقة، ولكني سوف أصبر عليها وأتحمل المشقة للأجر، جاز له ذلك، ولكن الأخذ بالرخصة أفضل.
وفيه عدة أحاديث منها حديث أبي موسى وغيره في الرجل الذي كان في سفر فرأى النبي -صلى الله عليه وسلم- زحاما ورجلا قد ظلل عليه، قال: ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصيام في السفر وفي رواية: عليكم برخصة الله التي رخص لكم فهذا الرجل صام في السفر ولقي مشقة ولما انتصف النهار، إذا هو متعب، وإذا الناس ينظرون إليه، وقد ظلل عليه تحت شجرة، وكأنه بحاجة إلى من يرشه بماء ومن يأتيه بحاجته، فهذا قد أضر نفسه؛ فلذلك قال: عليكم برخصة الله ومع ذلك يجوز، ففي حديث أبي الدرداء الذي في الصحيح قال: كنا في سفر في حر شديد، حتى أن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة فتحمل الصوم في هذا الحر الشديد طلبا للأجر، فدل على أنه يجوز، ولكن عند المشقة الفطر أفضل.
وفي حديث جابر في سفر النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة زمن الفتح صاموا ثمانية أيام ومعه عشرة آلاف، كلهم يصومون، ولما وصلوا إلى قديد أو إلى عسفان، قالوا له إن الناس قد شق عليهم الصيام، فعند ذلك أمر بالإفطار، وعلل بأنه أقوى لهم، فقال: إنكم قد قربتم من عدوكم والفطر أقوى لكم أي: أفطروا حتى تتقووا على قتال عدوكم، فهذا دليل على أن الفطر أفضل إذا كان هناك مشقة، فإذا لم يكن هناك مشقة فقيل إنه بالخيار؛ لحديث أنس قال: كنا نسافر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أن من به قوة وجلد فإنه يصوم، ومن به ضعف فإنه يفطر وهذا يظهر أنه في التطوع.

وبكل حال نختار أنه إذا كان هناك مشقة على المسافر فالفطر أفضل له، وإذا لم يكن هناك مشقة فالصوم أفضل له، وإن أفطر مع عدم المشقة جاز، وإن صام وتكلف المشقة جاز.