إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
202435 مشاهدة print word pdf
line-top
حرمة مكة والمدينة

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي؛ فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين. فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا. فقال: إلا الإذخر متفق عليه وقال: المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، رواه مسلم .


* حرمة مكة والمدينة
قوله: (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله على رسوله مكة إلخ):
وذلك لأنها لما فتحت ودخلها المسلمون ظن بعضهم أن حرمتها قد زالت، وأنه يجوز فيها ما يجوز في غيرها، فاعتدى رجل من هذيل على آخر وقتله لثأر قديم، فسمع بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقام وخطب الناس، فقال: إن الله حبس عن مكة الفيل - أي: أصحاب الفيل الذين أرسل عليهم طيرا أبابيل، فحبس أصحاب الفيل عن مكة-وسلط عليها رسوله والمؤمنين، لأنهم على حق؛ ولأنهم جاءوا لتطهيرها. ثم قال: إنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار وهو ذلك اليوم الذي قاتل فيه، فأحلت له ثم عادت حرمتها، ثم قال -صلى الله عليه وسلم- وإنها لن تحل لأحد بعدي وفي رواية: قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس .
ثم ذكر ما يحرم فيها، فقال: فلا ينفر صيدها وإذا كان لا ينفر، فبطريق الأولى أنه لا يقتل، ويدخل في الصيد الحمام والعصافير والوعول، والصيد كله لا ينفر بل يترك فيها، ومن دخلها ومعه صيد فإنه يخليه، فلو دخل إنسان معه ظبي أو حمام خلى سبيله ولم يتعرض له.
ثم قال -صلى الله عليه وسلم- ولا يختلى شوكها وفي رواية: ولا يختلى خلاها والمراد بالخلى المرعى، أي: لا يُجَزُّ المرعى والنبات والعشب الذي في أرضها، بل يترك تأكله الدواب، وكذلك لا يعضد شجرها، أي: لا يقطع الشجر الذي ينبت بنفسه، وأما الذي ينبته الآدمي فإنه ملكه، فإذا أنبت شجرة كنخلة مثلا أو عنبة أو تينة أو نحوها فإنه يجوز له التصرف فيها.
ثم قال: ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ؛ لأن قتله يعتبر ظلما، فهو إما أن يأخذ الدية، وإما أن يقتص، فمن قتل له قتيل فإما أن يطلب القصاص، وإما أن يأخذ الدية.
ولما ذكر منع الخلاء وقطع شجرها كانوا بحاجة إلى شجر يقال له الإذخر، فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال: إلا الإذخر، والإذخر: شجر أو نبات أعواده دقيقة، يجزونه ويجعلونه في القبور بين اللبنات، ويجعلونه بين الخشب في السقوف ولحوها، ويوقد بها القين، أي: أن الحداد يوقد به ماء النار حتى يحمى الكير، فهم ينتفعون به فاستثناه الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وقال: المدينة حرام ما بين عير إلى ثور .
وقد اختلفوا هل في المدينة جبل يقال له: ثور، فأنكر ذلك بعضهم، وقال: إنما ثور يعرف بمكة ولكن صحح بعض المحققين أنه جبل صغير خلف أحد يسمى ثورا وعير في جنوب المدينة
فقوله: ما بين عير وثور: أي: ما بين عير الذي في جنوب المدينة و ثور الذي خلف أحد.
وفي حديث آخر قال -صلى الله عليه وسلم- ما بين لابتيها حرام واللابتان هما: الحرتان الشرقية والغربية، والحرة هي: أرض تركبها حجارة سوداء، فما بينهما يعتبر حرما.
فنعرف من هذين الحديثين أن ما بين عير جنوب المدينة وثور خلف أحد، وما بين الحرتين شرقا وغربا كل هذا يعتبر حرما، ولكن ليس فيه فدية، فإذا قتل صيدا أو قطع شجرة فليس فيه فدية، ولكنه يمنع من قطع الشجرة، ويمنع من قتل الصيد ويحرم عليه ذلك.

line-bottom