شفاء العليل شرح منار السبيل
أقسام المياه
قوله: [وأقسام الماء ثلاثة، أحدها طهور وهو الباقي على خلقته] التي خُلق عليها، سواءٌ نبع من الأرض، أو نزل من السماء على أي لون كان.
[يرفع الحدث، ويزيل الخبث] لقوله تعالى: رسم> وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ قرآن>
رسم> وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم>
اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد متن_ح>
رسم> متفق عليه حديث>
وقوله في البحر: رسم>
هو الطهور ماؤه الحل ميتته متن_ح>
رسم> رواه الخمسة، وصححه الترمذي حديث>
.
الشرح: الطَّهور بفتح الطاء على وزن فَعُول، وفَعول اسمٌ لما يُفْعل به الشيء، فالطَّهور بالفتح اسم لما يُتَطهر به، والسَّحور بالفتح اسمٌ للذي يُتَسحر به.
وأما طُهُور بالضم، فهو الفعل، فالطَّهور هو الماء الذي يُتَطهر به، والطُّهور هو فعل الطهارة، يُقال: توضأت بماء طَهور بفتح الطاء، ويقال: طُهُورك مجزئ بضم الطاء.
وهذا الذي ذكره المصنف من تقسيم المياه إلى ثلاثة أقسام رأس> طهور، وطاهر، ونجس، هو الذي مشى عليه أكثر الفقهاء، والطَّهور عندهم هو الذي يرفع الأحداث، ويزيل الأخباث، ويستعمل في الطهارة من الحدث والنجاسات ونحوها، فهو طاهرٌ في نفسه مُطَهِّر لغيره.
والماء الطاهر عندهم هو الذي يكون طاهرا في نفسه غير مطهر لغيره، فهو لا يرفع الأحداث أو يزيل الأخباث.
والماء النجس- عندهم- هو ما تغير لونه أو طعمه أو رائحته بنجاسة، أو لاقى تلك النجاسة وهو يسير، قال في المبدع: (بيان ذلك أن الماء لا يخلو إما أن يجوز الوضوء به أو لا، فإن جاز فهو الطهور، وإن لم يجز فلا يخلو إما أن يجوز شربه أو لا، فإن جاز فهو الطاهر، وإلا فهو نجس)
![المبدع (1\ 32).](/site/books.png)
فالحاصل أن الماء إذا أطلق عليه هذا الاسم (ماء) فهو إما طهور، وإما نجس، أما إذا قُيِّدَ هذا الاسم فإنه لا يدخل في مسمى الآية رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فالراجح إذًا أن الماء إما أن يكون طاهرا وهو الذي لم تتغير إحدى صفاته الثلاث (لونه، طعمه، رائحته) بنجاسة، وإما أن يتغير بالنجاسة فيكون حينئذ (نجسا)، وأما ما سوى ذلك فهو ماء مقيد حسبما أُضيف إليه فلا يدخل في تقسيمنا السابق.
وقد شرع المؤلف بعد هذا في بيان القسم الأول من المياه وهو الطهور ، فذكر أنه (الباقي على خلقته) التي خلقه الله عليها، والمراد استمراره على الصفة التي كان عليها وقت ظهوره لنا، سواء كان نازلا من السماء كمياه الأمطار أو ما ذاب من الثلج والبرَد، أو كان خارجا من الأرض كمياه الأنهار والعيون والآبار والبحار، وسواء كان باردا أو حارا أو مالحا.
فقوله: (الباقي على خلقته) أي: لم يُقَيد بوصف دون آخر، ولم يضف إلى اسم شيء غيره، كماء البقول أو الورد أو نحو ذلك -كما سبق-.
والماء جوهر بسيط سيال بطبعه، وجمعه مياه، وهو جمع كثرة، أو أمواه، وهو جمع قِلَّة، والطهور قد عرفنا معناه.
وهذا الماء الطهور رأس> هو الذي يرفع الحدث ويزيل الخبث؛ لأنه المقصود للشارع كما في قوله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فقول المؤلف: (يرفع الحدث) أي: لا يَرْفع الحدث إلا الماء الطهور، وكل شيء سواه لا يرفع الحدث، ودليل هذا قوله -تعالى- في الآية السابقة رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وقوله: (يزيل الخبث) أي أن النجس لا يزيله إلا الماء الطهور، ودليله قوله -صلى الله عليه وسلم- في دم الحيض يصيب الثوب: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![رواه البخاري في الوضوء برقم (227)، ومسلم في الطهارة برقم (110)، وغيرهما، عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-.](/site/books.png)
ومن الأدلة على ذلك أيضا قوله -صلى الله عليه وسلم- في الأعرابي الذي بال في المسجد: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![رواه البخاري في الوضوء برقم (220).](/site/books.png)
![رواه البخاري في الوضوء برقم (222) عن عائشة رضي الله عنها، ومسلم في الطهارة برقم (101).](/site/books.png)
وذهب بعض العلماء -كشيخ الإسلام- وهو مذهب أبي حنيفة اسم> -رحمه الله- إلى أنه يجوز إزالة النجاسة رأس> بكل مائع طاهر مزيل للعين، والأثر، كالخل، وماء الورد، ونحوهما، قال شيخ الإسلام: (والصحيح أن النجاسة تزال بغير الماء، لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالتها بغير حاجة؛ لما في ذلك من فساد الأموال، كما لا يجوز الاستنجاء بها)
![مختصر الفتاوى المصرية (ص 17).](/site/books.png)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![هو في صحيح البخاري، في الحيض عند، برقم (312).](/site/books.png)
وعن أم سلمة اسم> -رضي الله عنها- قالت: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![رواه أبو داود (رقم 383)، والترمذي، وابن ماجه، ومالك، وغيرهم.](/site/books.png)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![رواه أبو داود برقم (650) مطولا.](/site/books.png)
ومن الأدلة أيضا حديث أبي هريرة اسم> -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![كما في سننه، كتاب الطهارة برقم (385) صح روى برقم (387) عن عائشة بمعناه، ولم يسق لفظه، وإسناده حسن (ج).](/site/books.png)
قالوا: ولأن النجاسة عين تجب إزالتها للعبادة فجاز بغير الماء؛ ولأن الحكم يتعلق بعين النجاسة فزال بزوالها.
والصواب في هذه المسألة جواز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيل للعين والأثر، وعدم جواز رفع الحدث، إلا بالماء؛ لأن المقصود في إزالة النجاسة إذهاب عينها وأثرها وذلك يحصل بغير الماء، ولما تقدم من الأدلة، وأما الحدث فيختلف عن النجاسة لكونه وصفا، وقد علَّق الشارع جواز رفع الحدث بالتراب عند عدم وجود الماء، فدل على أن غير الماء من المائعات لا يقوم مقامه في رفع الحدث، وذلك في قوله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![رواه أبو داود برقم (332) عن أبي ذر -رضي الله عنه-.](/site/books.png)
مسألة>