شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
shape
شفاء العليل شرح منار السبيل
314853 مشاهدة print word pdf
line-top
الماء الطهور المكروه استعماله ومنه استعمال ماء زمزم في إزالة الخبث أو في الغسل

قوله: [ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث ] تعظيما له، ولا يكره الوضوء والغسل منه، لحديث أسامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ رواه أحمد عن علي وعنه يكره الغسل، لقول العباس لا أحلها لمغتسل .
وخص الشيخ تقي الدين الكراهة بغسل الجنابة.


الشرح: كره العلماء استعمال ماء زمزم في إزالة الخبث أو في الغسل تعظيما لها وتكريما، لقوله -صلى الله عليه وسلم- إنها طعام طعم وشفاء سقم أما الوضوء منها فإنه جائز للحديث السابق عن علي -رضي الله عنه- وهو حديث صحيح، وكذا للأحاديث الصحيحة الصريحة المطلقة في المياه بلا فرق، ولم يزل المسلمون على الوضوء منه بلا إنكار، وأما من كره أن يغتسل بماء زمزم فقد استدل بقول العباس بن عبد المطلب عم الرسول لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل وهذا القول منقول عن أبيه عبد المطلب كما في سيرة ابن هشام ومثل هذا القول ليس بحجة في الشرع؛ ولهذا قال النووي (لم يصح ما ذكروه عن العباس بل حكي عن أبيه عبد المطلب ولو ثبت عن العباس لم يجز ترك النصوص به) وأما شيخ الإسلام -رحمه الله- فقد ذهب إلى كراهة غسل الجنابة به، قال ابن القيم -رحمه الله- (وطريقة شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية كراهة الغسل به دون الوضوء، وفرق بأن غسل الجنابة لمجري مجرى إزالة النجاسة من وجه؛ ولهذا عم البدن كله لما صار كله جنبا؛ ولأن حدثها أغلظ؛ ولأن العباس إنما حجرها على المغتسل خاصة) .
قلت: ولعله من باب الاحترام لهذا الماء الذي وصفه ابن القيم في (زاد المعاد) بأنه سيد المياه، وأشرفها، وأجلها قدرا وأحبها إلى النفوس، وأغلاها ثمنا وأنفسها عند الناس.. إلى آخر كلامه -رحمه الله- فاستعماله في الوضوء والغسل مع وجود غيره مكروه أو لا يجوز، لكن إذا عدم غيره، ودخل وقت الصلاة وهو جنب فله الاغتسال به، لدخوله في قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فلا يعدل إلى التيمم مع وجوده وتوفره، والله أعلم.

line-bottom