إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شفاء العليل شرح منار السبيل
191788 مشاهدة
غسل النجاسات

قوله: [باب إزالة النجاسة: يشترط لكل متنجس سبع غسلات] لقول ابن عمر أمرنا بغسل الأنجاس سبعا وعنه: ثلاث غسلات لأمره -صلى الله عليه وسلم- القائم من نوم الليل أن يغسل يديه ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده علل بوهم النجاسة. وعنه يكاثر بالماء من غير عدد قياسا على النجاسة على الأرض، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولم يذكر عددا، وفي حديث علي مرفوعا بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل ولم يذكر عددا.


الشرح: قد ثبت في غسل الأنجاس ثلاث روايات:
1- رواية أنها تغسل سبعا.
2- ورواية أنها تغسل ثلاثا.
3- ورواية أنها تكاثر بالماء حتى تزول عينها.
أما دليل الرواية الأولى فهو قول ابن عمر أمرنا بغسل الأنجاس سبعا وهذا الحديث اشتهر في كتب الفقهاء، ولكن لا أصل له، حيث لم يروه أحد من المؤلفين المشهورين، وإنما اشتهر في كتب الفقه الحنبلي، فقد ذكره القاضي أبو يعلى في بعض كتبه فتبعه على ذلك الفقهاء، حيث يذكرونه ولا يذكرون له تخريجا، وبعضهم يتوقف فيه فيرويه بصيغة التمريض، وبعضهم يرويه بصيغة الجزم، وقد جاء في المغني لابن قدامة بصيغة التمريض روي عن ابن عمر ، وفي نسخة أخرى بالجزم روى ابن عمر .
ولم أجد من خرجه، أو ذكر له إسنادا يعتمد عليه، وقد أشار الشيخ عبد الرحمن بن قاسم - رحمه الله- في (حاشية الروض) إلى أن القاضي عزاه إلى بعض المخرجين ولكن لم أقف على إسناده.
فهذا الحديث لا يصلح دليلا، وقد روي عن ابن عمر نفسه في المسند حديث يخالف هذا الحديث بلفظ كانت النجاسات تغسل سبعا، فلم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل التخفيف حتى صارت واحدة فهذا يدل على ضعف ذاك الحديث.
إذا فليس للفقهاء في غسل النجاسات سبعة سوى حديث ابن عمر الأول، وقد عرفت ما فيه، ولعلهم قاسوا ذلك على نجاسة الكلب، ولكن هناك فرقا بينهما كما هو ظاهر.
أما الرواية الثانية فدليلها القياس على غسل اليد بعد اليقظة من النوم ثلاثا، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يغمسها في الإناء فإنه لا يدري أين باتت يده فعلل -صلى الله عليه وسلم- ذلك بأنه قد يصيبها نجاسة آثناء النوم، فأمر بغسلها ثلاثة بعد اليقظة، فدل هذا على أن جنس المتنجس يغسل ثلاثا.
وقد يقال بأن الغسلات الثلاث لأجل إزالة النجاسة كليا، فالغسلة الأولى قد يتلوث منها الشيء المتنجس، والغسلة الثانية قد تزيل النجاسة، ولكن يبقى بعدها شيء من بللها على العضو، فالغسلة الثالثة تزيل ذلك البلل.
فهذا القول له وجهـه.
أما الرواية الثالثة، وهي أنها تكاثر بالماء، فهذا قول علته واضحة، وهو أن السبب في غسل النجاسة إزالة عينها، فمادمنا نرى عين النجاسة فنحن نغسلها حتى تزول، فلهذا تكاثر بالماء حتى تذهب.
فلو زالت النجاسة بغسلة واحدة لحصل المقصود، وهكذا لو زالت بغسلتين، أو ثلاث غسلات، وهذا القول لعله الأرجح، وهو الذي يختاره شيخ الإسلام .
ولا فرق في هذا بين النجاسة التي على الجدار، آو على الأرض، أو على الثوب، أو على البدن، أو غير ذلك، فما دام أننا نرى عين النجاسة فإننا نكاثرها بالماء حتى تزول.
وإزالة النجاسة من الأمور الفضولية، فلا تحتاج في غسلها إلى نية، فلو غسلها غير مكلف، كطفل أو مجنون مثلا، صح ذلك، وطهر المكان بغسله.
وهكذا لو نشر الثوب المتنجس فنزل عليه مطر حتى غمزه وزال أثر النجاسة، حصل المقصود.
وهكذا لو خاض بالثوب المتنجس في البحر، أو في السيل، أو في النهر، فنظف الثوب دون أن يقصد غسله، حصل المقصود.
فالحاصل: أن النجاسة تكاثر بالماء حتى يزول أثرها، ومن الأدلة على ذلك- أيضا- أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر أسماء أن تغسل دم الحيض، ولم يذكر عددا، بل قال: تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه فهذا دليل واضح على أن غسل النجاسات لا يحتاج إلى عدد.
ومن الأدلة أيضا: قياس ذلك على غسل الأرض إذا تنجست، فمن المعلوم أنها تكاثر بالماء- كما سيأتي إن شاء الله- فكذلك مثلها سائر النجاسات التي تكون على الثياب، أو على الأواني، أو غير ذلك.
وقد ورد الأمر بغسل الأواني إذا كانت متنجسة في حديث أبي ثعلبة الخشني لما ذكر أنهم يحتاجون أن يستخدموا آنية الكفار التي يطبخون فيها الخنازير، ويشربون فيها الخمر، فقال -صلى الله عليه وسلم- إن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها ولم يذكر عددا لذلك الغسل، ومعلوم أن لحم الخنزير نجس، ومع ذلك لم يقل حبسه: اغسلوها خمسا، أو سبعا، أو نحو ذلك، فهذا دليل على صحة القول بأن النجاسة تغسل حتى تزول عينها.
وسيأتينا- إن شاء الله- أن المراد زوال ما يمكن زواله؛ لأنه قد يبقى من النجاسة شيء يصعب إزالته، كاللون مثلا، فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن دم الحيض يصيب الثوب، فقال يكفيك الماء، ولا يضرك أثره .
وقد وجد زماننا من المزيلات ما يأتي عليه كله، لكن الأصل أن الغسل يكون بالماء، أو ما يقوم مقامه.