شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
شفاء العليل شرح منار السبيل
267857 مشاهدة print word pdf
line-top
الماء الطاهر القليل إذا غمست فيه يد مكلف بعد قيامه من نوم ليل

قوله: [ أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف، النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا، بنية، وتسمية، وذلك واجب] لقوله -صلى الله عليه وسلم- إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده رواه مسلم . ويفتقر للنية لحديث عمر إنما الأعمال بالنيات وللتسمية قياسا على الوضوء. قاله أبو الخطاب


الشرح: أي ومن الماء الطاهر ما كان قليلا وانغمست فيه يد المسلم المكلف النائم ليلا نومة ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثة، والمراد باليد هنا إلى الرسغ- وهو مفصل الكف من الذراع- فلو قام رجل من نوم ليل وعنده قدر فيه ماء فغمس يده فيه إلى حد الذراع، قبل أن يغسلها ثلاثا فإن الماء يكون طاهرا لا طهورا، لقوله -صلى الله عليه وسلم- إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده رواه مسلم
وقد قيدوا هذا بنوم الليل لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده والبيات يكون في الليل لا النهار، قال تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ويؤخذ مما سبق أنه لو غمس يده في ماء كثير لبقي الماء على طهوريته، وهكذا لو غمس فيه رجله لا يده، وهكذا لو غمس الكافر أو المجنون أو الصغير يده فيه لتقييده ذلك بقوله: (المسلم المكلف)، وهكذا لو غمس يده بعد نوم طويل في النهار، فإن الماء يبقى على طهوريته.
هذا ما يلزم من كلام المؤلف.
والصواب في هذه المسألة أن الحديث ينهى الإنسان المكلف عن غمس يده في الماء القليل بعد قيامه من نوم الليل، ولم يتعرض الحديث لحكم الماء، بل إن قوله -صلى الله عليه وسلم- فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده دليل على أن الماء باب على طهوريته؛ لأنها الأصل المتيقن، واليقين لا يرفعه إلا يقين مثله، فلا يرتفع بمجرد الاحتمالات.
فالصواب إذا أن الماء الطهور القليل إذا غمست فيه يد مكلف بعد قيامه من نوم ليل وقبل أن يغسلها ثلاثا أن هذا الماء باق على طهوريته، لعدم الدليل على أن هذا الغمس يسلبه الطهورية، لكن يأثم الغامس لأجل مخالفته لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- السابق، حيث غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثا.
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- العلة في هذا النهي بقوله: فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده أي أن هذه اليد ربما تقع على مكان قذر من الجسد، أو تعبث بنجاسة، أو نحو ذلك، وقد قال-صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه فلعل الشيطان قد عبث بيد هذا النائم وحمل إليها أشياء مضرة للإنسان، أو مفسدة للماء.
وذهب كثير من الفقهاء إلى أن العلة في النهي غير معلومة بل هي تعبدية؛ لأن الإنسان أحيانا قد يعلم أين باتت يده، كما إذا وضعها في قفاز أو نحو ذلك، فهو يعلم أنها لم تمس شيئا نجسة؛ فلهذا قال الفقهاء بأن العلة تعبدية، أي غير معلومة لنا.
وذكر شيخ الإسلام- رحمه الله- علة ثالثة لهذا النهي، وهي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال- كما سبق- إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه فيكون نهيه -صلى الله عليه وسلم- أن يغمس الإنسان يده في الإناء، قبل غسلها ثلاثة من هذا الباب، أي خشية ملامسة يده للشيطان، والله أعلم .
فالحاصل أن القائم من نوم ليل يجب عليه أن يغسل يده ثلاثا، قبل أن يدخلها في الإناء الذي يريد الوضوء منه بعد النية والتسمية كما سيأتي في باب الوضوء- إن شاء الله-.

line-bottom