تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
shape
شفاء العليل شرح منار السبيل
314631 مشاهدة print word pdf
line-top
تمهيد: في كمال الشريعة وحفظ مصادرها

لما أن كلفنا الرب -جل وعلا- بعبادته، وخلقنا لها، شرع الشرائع، وسن الأحكام، وأمر بلزومها والتمسك بها، وتكفل -سبحانه- ببيان ذلك وإيضاحه، ليكون الناس على بينة من أمر دينهم، فأنزل كتبه السماوية، وضمنها بيان ما أمر به ونهى عنه، وما أحله وحرمه، وما يحبه ويرضاه، وما يكرهه ويسخطه، وأرسل رسله بشرح دينه وبسط أدلته وبيان أمثلته وتطبيقها.
وكان آخر كتبه نزولا هذا القرآن العظيم، الذي أنزله على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ و تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ثم أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو خاتم رسله أن يبين لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فقام -عليه الصلاة والسلام- بما كلف به أتم قيام، فعلّم أمته أمور الدين، وبيّن لها ما نزل إليه، وما أمر به بالقول والفعل، وشهد له بذلك صحابته -رضوان الله عليهم- كما قال أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- لقد تركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما يحرك طائر جناحيه إلا أذكرنا منه علما .
فتعلّم الصحابة -رضي الله عنهم- القرآن الكريم ألفاظه ومعانيه والعمل به، وتلقوا عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- سنته التي هي من مضمون رسالته إليهم، والتي بين بها ما نزل إليه من ربه، ثم نقلوه لمن بعدهم، وهكذا توارث المسلمون هذه الأصول كابرا عن كابر، وخلفا إثر سلف.
ولما كان من سنة الله في خلقه أن يبتلي أنبياءه وأتباعهم بأنواع من البلاء، ويسلط عليهم الأعداء، كما قال -جل وعلا- وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ .
ولما كان أيضا من حكمته أن جعل لكل نعمة حاسدا، وكان معظم الأعداء الألداء هم الذين وجهوا أنظارهم نحو الأصل الأصيل لهذا الدين، وذلك أنهم لما تحققوا أن شرف الأمة ورفعتها وعدتها بهذا القرآن الكريم وبهذه السنة الشريفة، حقدوا عليهما وعلى ما شاهدوا من آثار تطبيقهما، وتحقيق العمل بهما، من التمكين والقوة الحسية والمعنوية، وكان من نتائج الحسد والحقد أن حاولوا التشكيك في هذين الأصلين بإيراد الشبه، وتوليد الأكاذيب والترهات المفتعلة.
ولقد انخدع بحيل أولئك الأعداء جم غفير ممن يعبد الله على حرف، وأصغوا إلى أساطيرهم، ثم إن بعض أولئك المنخدعين انضموا إلى الأعداء في الوجهة والعمل، بل صار ضررهم أشد، والبعض الآخر بقوا حيارى مبهوتين.
ولما كان الرب -تعالى- قد تكفل بحفظ هذا الذكر أَظهر -وله الحمد والمنة- من هذه الأمة جهابذة وعلماء أجلاء، وقيضهم لحفظ الدين أصله وفرعه، ولقد بذل أولئك العلماء -أثابهم الله- قصارى جهدهم، وأفنوا أعمارهم في سبيل الذب عن أصل هذا الدين وتفنيد الشبه التي تثار حوله، وقد وهبهم الله سرعة الحفظ والفهم البليغ فيما جاءهم عن ربهم، والتمييز بين ما هو أصيل وما هو دخيل، ولما علموا أن الحفظ يذهب بذهاب حملته، ألهمهم الله أن دونوا ما وصل إليهم من ربهم ومن نبيهم من النصوص كما هي، وبالغوا في تحريرها وتنقيحها، وبيان الصحيح منها والسقيم، فعلوا ذلك نصحا لله ولعباده، وهكذا أصبحت مصادر هذه الشريعة -بحمد الله- محفوظة مدونة لم يفقد منها ما يحس بفقده، فلله الحمد والمنة على ذلك.

line-bottom