تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
شفاء العليل شرح منار السبيل
223107 مشاهدة
نجاسة عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبهما

قوله: [وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبهما وجلدها نجس، ولا يطهر بالدباغ] في ظاهر المذهب لقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ والجلد جزء منها، وروى أحمد عن يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال: قرئ علينا كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أرض جهينة وأنا غلام شاب أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب قال أحمد ما أصلح إسناده .


الشرح: عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبهما نجس - على المذهب- لأن هذه الأشياء من جملة الميتة، فتكون نجسة كالميتة، لقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وقوله تعالى قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ والرجس النجس، ولكن يستثنى من ذلك ثلاث ميتات فإنها طاهرة وليست بنجسة، وهي:
1- السمك وغيره من حيوان البحر بدون استثناء لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ .
2- ميتة الآدمي لقوله -صلى الله عليه وسلم- المؤمن لا ينجس .
3- ميتة كل ما لا نفس له سائلة، أي ما ليس له دم يسيل، كالذباب والجراد والعقرب ونحو هذا، فهذه الميتات طاهرة للأدلة السابقة.
وذهب أبو حنيفة - وهو قول في مذهب أحمد واختاره شيخ الإسلام - إلى أن عظم الميتة وقرنها وظفرها وعصبها وحافرها طاهر؛ لأن الأصل فيه الطهارة، ولا دليل على النجاسة؛ ولأن هذه الأشياء من الطيبات وليست من الخبائث، فتدخل لا أية التحليل وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ولأنها ليست فيها دم مسفوح، فلا وجه لتنجيسها، قال شيخ الإسلام: (إذا كان الحيوان الحساس المتحرك بالإرادة لا ينجس لكونه لا دم له سائل، فكيف ينجس العظم الذي ليس فيه دم سائل؟) .
وأما جلد الميتة: هل يطهر بالدباغ أم لا؟ فقد اختلف فيه العلماء على أقوال عدة، فطالب بذلك ذيل المسألة وتشعبت طرقها، ولكل وجهته ودليله وقبل أن نذكر خلاصة الأقوال في هذه المسألة نبين أن الدباغ هو تنظيف الأذى والقذر الذي يكون في الجلد بواسطة مواد تضاف إلى الماء.
وأما أقوال العلماء في هذه المسألة فنوجز أهمها فيما يلي:
1- ذهب فريق من العلماء- وهو المذهب- إلى أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ لأن الميتة نجسة العين، ونجس العين لا يمكن أن يطهر، فروثة الحمار لو غسلت بمياه البحار ما طهرت، بخلاف النجاسة الطارئة على المحل فإنها تطهر، واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن عكيم لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب .
والجواب عن هذا أن يقال:
أولا: حديث عبد الله بن عكيم ضعيف كما قال الحافظ وغيره.
ثانيا: أنه قد عارضه ما هو في صحيح مسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت فمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلا أخذتم إهابها ودبغتموه فانتفعتم به؟ .
فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها .
ثالثا: أنه على فرض صحة حديث ابن عكيم فليس بناسخ لحديث ميمونة - كما يزعمون- لأننا لا نعلم تاريخ قصة شاة ميمونة فقد تكون قبل وفاته بشهر أو بأيام.
رابعا: أنه على فرض صحته وتأخره فإنه لا يعارض حديث ميمونة؛ لأن قوله -صلى الله عليه وسلم- لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب يحمل على الإهاب قبل الدبغ، وأما بعد الدبغ فإنه لا يسمى إهابا، بل يسمى جلدا كما هو معروف عند أهل اللغة، وبهذا يحصل الجمع بين الحديثين.
2- وذهب آخرون إلى أن جلود الميتة تطهر جميعها بالدباغ إلا جلد الكلب أو الخنزير، فيطهر ظاهر الجلد وباطنه ويجوز استعماله في الأشياء اليابسة والمائعة، لا فرق في ذلك بين الحيوان المأكول اللحم وبين غيره، وهذا هو مذهب الشافعي وقد استثنى جلد الخنزير لقوله تعالى عنه: فَإِنَّهُ رِجْسٌ والرجس النجس- كما سبق- ثم قاس الكلب على الخنزير بجامع النجاسة.
3- وذهب فريق ثالث إلى أن الدباغ يطهر جلد مأكول اللحم من الحيوانات لا غير لقوله -صلى الله عليه وسلم- دباغ الأديم ذكاته قالوا: والذكاة لا تحل إلا مأكول اللحم، فلهذا لا يطهر إلا جلودها لأنه -صلى الله عليه وسلم- شبه دباغ جلودها بذكاتها.
4- وذهب فريق رابع إلى أن جلود الميتات تطهر جميعا دون استثناء ظاهرا وباطنا، قال النووي (وهو مذهب داود وأهل الظاهر) ورجحه الشوكاني في نيل الأوطار، واحتج هؤلاء بترخيص النبي -صلى الله عليه وسلم- في الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت، وهذا الترخيص يشمل جميع الميتات.
والصواب في هذه المسألة أن جلد الميتة يطهر بالدباغ بشرط أن تكون الميتة مما تحلها الذكاة، وأما ما لا تحله الذكاة فإنه لا يطهر لقوله -صلى الله عليه وسلم- في جلود الميتات: دباغها ذكاتها فعبر بالذكاة، والذكاة لا تطهر إلا ما يباح أكله، قال شيخ الإسلام (ومأخذ التردد أن الدباغ هل هو كالحياة فيطهر ما كان طاهرا في الحياة، أو هو كالذكاة فيطهر ما طهر بالذكاة؟ والثاني أرجح ودليل ذلك نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن جلود السباع) أي لأنها غير مأكولة اللحم فلا يطهر جلدها بالدباغ.