قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شفاء العليل شرح منار السبيل
223191 مشاهدة
حف الشارب وإعفاء اللحية

قوله: [ وحف الشارب وإعفاء اللحية ] لحديث ابن عمر مرفوعا خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى متفق عليه .
[وحرم حلقها] ذكره الشيخ تقي الدين قاله في الفروع .
[ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها] لأن ابن عمر كان يفعله إذا حج أو اعتمر، رواه البخاري


الشرح: الشارب هو ما سال على الفم من الشعر، وحفه أن يبالغ في قصه، ومعناه الاستقصاء في أخذه، وقد ذهب الإمام أحمد و الشافعي و أبو حنيفة إلى أن حف الشارب أولى من قصه للحديث السابق، ولغيره من الأحاديث المصرحة بلفظ الحف، أما ما ورد بلفظ القص فإنه لا ينافي تلك الروايات السابقة لأنها مبينة للمراد من قصه.
وأما إعفاء اللحية فهو توفيرها وتركها كلى حالها بأن لا يأخذ شيئا منها.
واللحية- بكسر اللام، وجمعها لحى- اسم للشعر النابت على الخدين، والذقن، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- أعفوا اللحى وفي رواية وفروا اللحى ؛ ولهذا فإنه يحرم حلقها، بل حكى ابن حزم الإجماع على أن هذا، وأما ما ورد من أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يأخذ من أطرافها- من طولها وعرضها- فهو حديث ضعيف رواه الترمذي .
وأما قول المؤلف :(ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها)؛ وقول الشارح (لأن ابن عمر كان يفعله إذا حج أو اعتمر رواه البخاري ) نقول: نعم رواه البخاري لكن العلماء لم يعملوا بهذا الاجتهاد من ابن عمر - رضي الله عنه- لأن الحجة في رواية الصحابي لا في رأيه، و ابن عمر أحد من روى أحاديث الإعفاء فنأخذ بروايته وندع رأيه، ولا نخالف سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- برأي أحد، قال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله- (وفعل ابن عمر أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض لحيته، فما فضل أخذه لا يحتج به؛ لأنه روى النهى عن التقصير، وإذا تعارض رأي الصحابي وروايته فروايته مقدمة على رأيه، هذا هو الصحيح من قول العلماء في تعارض رأي الصحابي وروايته) .
فالحاصل أن حلق اللحية محرم وهكذا تقصيرها، لإطلاق الأحاديث السابقة أعفوا.. أرخوا.. أوفوا.. .