إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
شفاء العليل شرح منار السبيل
299164 مشاهدة print word pdf
line-top
المطلب الأول: في الروايات والوجوه

يندر أن تمر بك مسألة في هذا الشرح ونحوه إلا وفيها روايتان أو روايات، أو قولان أو وجهان إلخ، وذلك شأن المسائل التي طريقها الاجتهاد والتي تتوارد عليها أدلة أو تعليلات متنوعة، فإن فقهاء المذهب قد أكثروا التصانيف في المسائل الفقهية، وبذلوا جهدهم في تتبع الروايات عن إمامهم في كل مسألة، وأفرد بعضهم المسائل الخلافية بالتأليف، فللشيخ أبي بكر عبد العزيز مؤلف سماه بالقولين، وللقاضي أبي يعلى كتاب كبير باسم الروايتين والوجهين، ومثله أيضا أو نحوه لابنه أبي الحسين وكذا لأبي الوفاء بن عقيل وغيرهم، وحيث التزموا ذكر المسائل التي فيها أكثر من رواية فإنك تراهم يكثرون من الأمثلة ويطلق الكثير منهم الخلاف ولو تفاوتت الروايات من حيث الصحة والشهرة وكثرة الناقلين لبعضها، ولعل قصدهم من تكثير الروايات أن يتعود القارئ المستفيد على البحث والتنقيب لا طلب الراجح والمختار، وقد يكون قصدهم التوسعة على الناس، فإن وقوع هذه الخلافات عن الأئمة وفيما بينهم، في هذه الأحكام الفرعية توسعة من الله ورحمة بعباده، لما فيها من التنفيس على العباد، قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مجموع الفتاوى والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يُفضِ إلى شر عظيم، من خفاء الحكم، ولهذا صنف رجل كتابا سماه: كتاب الاختلاف، فقال الإمام أحمد -رحمه الله- سمه كتاب السعة. وإن كان الحق في نفس الأمر واحدا، فقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه، لما في ظهوره من الشدة عليه. انتهى.
ونقل أيضا في الفتاوى عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أنه قال: ما يسرني أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا؛ لأنهم إذا اجتمعوا على قولهم فخالفهم رجل كان ضالا، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة. ا هـ.
لكن الاختلاف متى أفضى إلى نزاع بين الأمة وتقاطع وتدابر، أو إلى تعصب لبعض المذاهب، وتكلف في رد الصواب، كان مذموما، وعليه تحمل النواهي الواردة في القرآن كقوله تعالى: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ وقوله: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وقوله تعالى: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ونحوها من الآيات، وكقوله -صلى الله عليه وسلم- لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وقوله: اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا ذكر ذلك ابن القيم في إعلام الموقعين وغيره.

line-bottom