الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شفاء العليل شرح منار السبيل
197507 مشاهدة
الوطء في الفرج

قوله: [ويحرم بالحيض أشياء: منها الوطء في الفرج] لقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ


الشرح: الأشياء التي تحرم بالحيض منها، ما يتعلق بالرجال،ومنها ما يتعلق بالنساء، فالذي يتعلق بالرجال كالطلاق والوطء.
أما وطء الحائض فهو محرم على زوجها، وقد استدل له الشارح بقوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ فقد أمر سبحانه بعدم إتيانهن أثناء الحيض.
والمحيض هو مجرى الدم الذي هو الفرج، ومعنى هذا أنه لا يلزم اعتزالها في المجالسة، والمؤاكلة، والمشاربة، وكذا المباشرة فيما دون الفرج؛ لأن النص اقتصر على المحيض فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ يعني في مجرى الحيض.
وقد ورد أن اليهود كانوا إذا حاضت فيهم المرأة لم يجالسوها، ولم يؤاكلوها، ولم يخالطوها في البيوت، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: افعلوا كل شيء إلا الجماع فقالت اليهود: ما يريد هذا إلا أن يخالفنا في كل شيء من شرعنا، فجاء بعض الصحابة وقالوا: إن اليهود قالوا، كذا وكذا، ألا نجامعهن؟ فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- واشتد غضبه من هذه الكلمة لما فيها من صريح المخالفة .
وليعلم أن الله تعالى ما نهى عن وطء الحائض إلا لأنه أذى وضرر بلا شك، وهكذا فيه من القذارة والنجاسة ما فيه.
وقد جاءت السنة بإباحة مباشرة الرجل امرأته فيما فوق الإزار ونحوه وهي حائض، وقد ذكرت عائشة - رضي الله عنها- أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر أزواجه وهن حيض تلبس إحداهن إزارا فوق- العورة التي هي من السرة إلى الركبة ثم- يباشرها فيما عدا ذلك ؛ لأن المحذور. إنما هو- كما علمنا- الوطء في الفرج، وما عدا ذلك- من المباشرة فهو داخل في الإباحة، لقوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ .
وقد ذكرنا سابقا أن الحيض خلق لحكمة تغذية الجنين قي الرحم، فإذا ابتدأ خروجه فإن الوطء فيه لا ينعقد. معه ولا عادة، بل ذكر أيضا أن الوطء في آخر الطهر لا يكون معه حمل غالبا؛ لأن ذلك المني يختلط بالحيض، ثم بعد ذلك يمجه، أو يخرج ممتزجا بالدم، لكن الوطء جائز ما لم تكن المرأة حائضا.
وأما الاستحاضة التي هي جريان الدم في غير محله- كما- سيأتي إن شاء الله- فإن كثيرا من العلماء كره الوطء معها لأنها أذى، فهي داخلة في قوله تعالى عن الحيض بأنه أذى.
ولكن الراجح أن الوطء حال- الاستحاضة جائز ؛ لأن. كثيرا من نساء الصحابة كن ممن تصيبهن الاستحاضة، ومع ذلك لم ينقل أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر أزواجهن باجتنابهن حال الاستحاضة، فدل هذا على أن الممنوع منه هو الوطء في الحيض.