إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
شفاء العليل شرح منار السبيل
198244 مشاهدة
ما يجب على الحائض والنفساء قضاؤه

قوله : [ وتقضي الحائض والنفساء الصوم لا الصلاة ] لحديث معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة رواه الجماعة . وقالت أم سلمة كانت المرأة من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقضاء صلاة النفاس رواه أبو داود .


الشرح: قد عرفنا- سابقا- أن الحائض- وكذا النفساء- يحرم عليها الصوم والصلاة حال حيضها أو نفاسها، ولو صلت أو صامت في تلك الحال لم يصح ذلك منها ولم يجزئها عن الواجب، فإذا طهرت الحائض أو النفساء، فإنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة من الأيام التي حاضت فيها أو نفست، ودليل هذا حديث عائشة المتقدم حيث أخبرت بأنهن- أي النساء- كن يؤمرن أن يقضين الصوم ولا يقضين الصلاة على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقولها: فنؤمر أي يأمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك؛ لأن الأمر والنهي إذا أضيف إلى حياته انصرف إليه لأنه المبلغ عن ربه أحكام دينه، ومما يشهد لهذا قول أم سلمة - رضي الله عنها- في الحديث الآخر كانت المرأة من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقضاء صلاة النفاس .
فالحاصل: أن الحائض أو النفساء لا تقضي الصلاة وإنما تقضي الصيام للحديثين السابقين، والحكمة من هذا قد اختلف فيها العلماء: فذهب بعضهم إلى أنها تعبدية، أي لا تعرف، قال أبو الزناد (إن السنن لتأتي كثيرا على خلاف الرأي، فما يجد المسلمون بدا من اتباعها، من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة) .
وذهب بعضهم إلى أن الحكمة معلومة، وهي كما قال ابن القيم - رحمه الله- (أما إيجاب الصوم على الحائض دون الصلاة فمن تمام محاسن الشريعة، وحكمها، ورعايتها لمصالح المكلفين، فإن الحيض لما كان منافيا للعبادة لم يشرع فيه فعلها، وكان في صلاتها أيام الطهر ما يغنيها عن صلاة أيام الحيض، فيحصل لها مصلحة الصلاة في زمن الطهر، لتكررها كل يوم، بخلاف الصوم، فإنه لا يتكرر، وهو شهر واحد في العام، فلو سقط عنها فعله بالحيض لم يكن لها سبيل إلى تدارك نظيره، وفاتت عليها مصلحته، فوجب عليها أن تصوم شهرا في طهرها لتحصل مصلحة الصوم التي هي من تمام رحمة الله بعبده، وإحسانه إليه) .