عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شفاء العليل شرح منار السبيل
217063 مشاهدة
تطهير نجاسة الكلب

قوله: [وأن يكون إحداها بتراب طهور، أو صابون ونحوه، في متنجس بكلب أو خنزير] لحديث أبي هريرة مرفوعا إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب رواه مسلم . وقيس عليه الخنزير.


الشرح: نجاسة الكلب تغسل سبع مرات إحداها بالتراب لصراحة الأدلة في ذلك، كحديث أبي هريرة - رضي الله عنه- وقد ورد في حديث آخر: وعفروه الثامنة بالتراب ؛ ولهذا ذهب بعضهم- وهو رواية في المذهب إلى أن الإناء الذي ولغ فيه الكلب يغسل ثماني مرات، سبعة بالماء والثامنة بالتراب، والصواب أنه يغسل سبع مرات، أما الرواية السابقة: وعفروه الثامنة بالتراب فقد قال عنها شيخ الإسلام: (الصحيح أنه عد التراب ثامنة وإن لم تكن غسلة، كما قال تعالى: ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ يحقق ذلك أن أهل اللغة قالوا: إذا كان اسم فاعل على العدد من غير جنس المفعول يجعله زائدا، كما قال تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وإن كان من جنسه جعله أحدهم، لقوله ثَانِيَ اثْنَيْنِ فلما قال: سبع مرات علم أن التراب سماه ثامنا؛ لأنه من غير الجنس، وإلا قال: فاغسلوه ثمانيا، وعفروه الثامنة) ومما يشهد لهذا رواية أبي داود، وفيها إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، السابعة بالتراب والأرجح أن يكون التراب في الغسلة الأولى لتزيل الغسلات الباقية ما قد يعلق في الإناء من التراب .
أما الخنزير فقد ذكروا أنه مقيس على الكلب، قالوا: لأنه شر منه وأخبث؛ لأن الله نص على تحريمه في القرآن، ولم ينص على تحريم الكلاب، والطباع، ونحوها، وإنما أخذ تحريمها من السنة.
ولكن نقول: إذا كان تكرار الغسل في الكلب وتتريبه معللا، فلا يقاس عليه، وإن لم يكن معللا، أي كان تعبديا، أو نحو ذلك، فيمكن أن يقاس عليه، والذي يظهر أن نجاسة الكلب معللة، فلا توجد في غيره، فقد حللوا لعاب الكلب فوجدوا أن في ريقه لزوجة لا تزول إلا بالتكرار، وبالتراب، أو ما يقوم مقامه.
وقد سمعت- أيضا- من بعض المشايخ أن بعض المتأخرين اكتشف في لعاب الكلب جراثيم سامة، أو ضارة، فحاولوا إزالتها، فلم تزل إلا بالتراب.
وهناك من اكتشفت في لعابه- بالمجهر المكبر- دوابا صغيرة لا تتبين إلا بالمجهر، فالتصقت بالإناء الذي شرب منه الكلب، فغسلها بكل غسل فلم تزل، فأحرقها بالنار فلم تزل، فقال له بعض علماء الإسلام: إن الشرع ورد بغسلها بالتراب، فلما غسلها بالتراب زالت، فأسلم بعد هذه الحادثة.
فالحاصل: أن الكلب إذا كان معللا بهذه العلة، وهي اللزوجة، ووجود هذه الدواب، أو هذا المرض، أو نحوه في ريقه، فإن هذه العلة خاصة به؛ لأنها لا توجد في غيره، ولو كان الخنزير.
أما لو قلنا بأن الأمر بالغسل كان لأجل قذارته ونجاسته، ولا نعرف العلة في ذلك إلا أنه خبيث، فإننا والحال هذه نلحق به الخنزير؛ لأنه أخبث منه، وأشد تحريما؛ لأنه مما يتغذى على النجاسات، والقاذورات، وقد نص الله على تحريمه في عدة آيات، فخبثه في لحمه وفي سائر أجزائه، أما نجاسته فتكون كسائر النجاسات، يعني كنجاسة بول الآدمي، وما أشبهه.
بقي أن يقال بأن الفقهاء عمموا في قولهم (نجاسة كلب أو خنزير)، ومعنى هذا أنه يغسل من بول الكلب أو الخنزير كما يغسل من ريقه، أي سبع غسلات إحداها بالتراب، وهكذا يغسل من دمه، ومن سائر فضلاته، كعرقه، وما أشبهه.
أما إن قيل بأن الغسل خاص بالريق فإن سائر النجاسات لا تلحق به، وإنما يغسل كغسل سائر النجاسات الأخرى حتى تزول، ولعل هذا هو الأرجح، فبول الكلب مثلا يغسل حتى يزول لأنه ليس فيه تلك اللزوجة التي في ريقه، ولنص الحديث، وهكذا يقال في دمه، وعرقه، ودمعه، وروثه، وما أشبه ذلك، فكل هذا يغسل حتى يزول أثره.