اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شفاء العليل شرح منار السبيل
198588 مشاهدة
المطلب الأول: في حكم ذلك

كثر في زماننا وقبله من ينهى عن النظر في كتب الفقهاء المؤلفة على مذاهب الأئمة، ويعيبها بتقيدها بقول إمام معين، دون نظر في الأدلة، أو أقوال سائر الأئمة، بل هناك أقوام يوجبون حتى على العامي البحث عن الدليل على كل واقعة، ومعرفة حكمها من النصوص النبوية، وأنت تعرف وتتحقق أن جمهور الأمة من العوام وبعض الخواص لا قدرة لهم على البحث عن مسألة من أقرب المسائل الفقهية وأشهرها؛ لذلك تجدهم يبحثون مع علماء زمانهم عن كل واقعة تقع لهم، مع تيسر العثور عليها في أقرب الكتب التي قد تكون في حوزة أحدهم، لكنه لا يعرف طريقة البحث، ولا ترتيب الأبواب والمسائل، بل إن كثيرا من المتعلمين أنفسهم يبدأ في التنقيب عن مسألة مشهورة، ويمضي زمنا طويلا دون أن يعثر عليها، فمن ثم يلجأ إلى سؤال العلماء الذين يثق بهم، ولا يكلفهم إثبات دليل أو تعليل، أو مرجع، وهذا الفعل يجوز للحاجة، على تفصيل في ذلك.
وأحب أن أنقل لك كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك، قال في مجموع الفتاوى أما في المسائل الأصولية فكثير من المتكلمين والفقهاء من أصحابنا وغيرهم يوجب النظر والاستدلال على كل أحد، حتى على العامة والنساء، حتى يوجبوه في المسائل التي تنازع فيها فضلاء الأمة، قالوا: لأن العلم بها واجب، ولا يحصل العلم إلا بالنظر الخاص، وأما جمهور الأمة فعلى خلاف ذلك، فإن ما وجب علمه إنما يجب على من يقدر على تحصيل العلم، وكثير من الناس عاجز عن العلم بهذه الدقائق، فكيف يكلف العلم بها؟
وأيضا فالعلم قد يحصل بلا نظر خاص، بل بطرق أخرى، من اضطرار وكشف، وتقليد من يعلم أنه مصيب، وغير ذلك، وبإزاء هؤلاء قوم من المحدّثة والفقهاء والعامة، قد يحرمون النظر في دقيق العلم، والاستدلال والكلام فيه، حتى ذوي المعرفة به، وأهل الحاجة إليه من أهله، ويجبون التقليد في هذه المسائل، أو الإعراض عن تفصيلها، وهذا ليس بجيد أيضا، فإن العلم النافع مستحب، وإنما يكره إذا كان كلاما بغير علم، أو حيث يضر، فإذا كان كلاما بعلم، ولا مضرة فيه فلا بأس به، وإن كان نافعا فهو مستحب، فلا إطلاق القول بالوجوب صحيحا، ولا إطلاق القول بالتحريم صحيحا، وكذلك المسائل الفروعية من غالية المتكلمة والمتفقهة، من يوجب النظر والاجتهاد فيها على كل أحد حتى على العامة، وهذا ضعيف؛ لأنه لو كان طلب علمها واجبا على الأعيان، فإنما يجب مع القدرة، والقدرة على معرفتها من الأدلة المفصلة تتعذر أو تتعسر على أكثر العامة، وبإزائهم من أتباع المذاهب من يوجب التقليد فيها، على جميع من بعد الأئمة، علمائهم وعوامهم، ومن هؤلاء من يوجب التقليد بعد عصر أبي حنيفة و مالك مطلقا، ثم هل يجب على كل واحد اتباع شخص معين من الأئمة، يقلده يا عزائمه ورخصه؟ على وجهين: وهذان الوجهان ذكرهما أصحاب أحمد و الشافعي لكن هل يجب على العامي ذلك؟
والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد، ويحرمون التقليد، ولا يوجبون التقليد على كل أحد، ويحرمون الاجتهاد، وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد، والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد، فأما القادر على الاجتهاد فهل يجوز له التقليد، هذا فيه خلاف، والصحيح أنه يجوز حيث عجز عن الاجتهاد، إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له، فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه، وانتقل إلى بدله وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء، وكذلك العامي إذا أمكنه الاجتهاد في بعض المسائل، جاز له الاجتهاد، فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزؤ والانقسام، فالعبرة بالقدرة والعجز، وقد يكون الرجل قادرا في بعض، عاجزا في بعض، لكن القدرة على الاجتهاد لا تكون إلا بحصول علوم تفيد معرفة المطلوب، فأما مسألة واحدة من فن، فيبعد الاجتهاد فيها، والله -سبحانه- أعلم، انتهى.
ومنه يتضح الفرق بين من يلزمه البحث عن الأدلة ومعرفة حكم كل واقعة، ومن يلزمه معرفة بعض الأحكام لتيسرها دون بعض حسب استطاعته، ومن لا يلزمه شيء، وإنما يسأل ويسترشد أهل العلم الذين تحملوه وقرءوه في كتب الفقه واستنبطوا الأحكام من الأدلة، والذين هم أهل ثقة وأمانة وورع عن التخرص والقول على الله بلا علم، سواء يسألهم مشافهة أو يرجع إلى مؤلفاتهم التي بذلوا فيها جهدهم، وأخلصوا فيها عملهم لربهم، رجاء أن يبقى لهم علم تنتفع به الأمة ويجري لهم عملهم بعد موتهم كما ورد في الحديث، فعند العجز عن البحث، ومع الثقة بعلمهم وأهليتهم يتعين الرجوع إلى أقوالهم، ويحرم التخبط في الأعمال أو البقاء على الجهل.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في مجموع الفتاوى وأما من كان عاجزا عن معرفة حكم الله ورسوله، وقد اتبع فيها من هو من أهل العلم والدين، ولم يتبين له أن قول غيره أرجح من قوله، فهو محمود، يثاب، ولا يذم على ذلك ولا يعاقب، وإن كان قادرا على الاستدلال ومعرفة ما هو الراجح.... وعدل عن ذلك إلى التقليد، فقد اختلف فيه عن أحمد والذي عليه الأصحاب أن هذا آثم أيضا إلخ اهـ.
ومنه يعلم أن السائل متى وثق بالمفتي أو بالمؤلف، ولم يظهر له أن جوابه مصادم للدليل الواضح، ولم يعلم ما يخالف ذلك أو يضادّه، فإنه يتعين عليه التطبيق للجواب، ولا يعد عاصيا لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بل هو ممتثل قوله الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال .
فأما العالم القادر على الاستدلال ومعرفة الحق الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فمتى أفتاه أحد بخلاف ما يعلم، ولم يكن هناك ما يدفع الحق، أو يخالف الأدلة الواضحة، فإنه يحرم عليه طاعة ذلك للمفتي، أو تقليد ذلك المؤلف الذي أخطأ عن اجتهاده، أو جهل بالدليل.
ومنه يعرف حالة الكثير من أتباع المذاهب ممن لهم معرفة وفهم، وقدرة على الوقوف على الأدلة والتمييز بينها، ثم هم مع ذلك يتعصبون للمذاهب، ويردون النصوص بأنواع غريبة من التأويلات والتمحلات، وأنهم قد وقعوا في المحذور، حيث قلدوا الرجال في دين الله، وخالفوا أمر الله ورسوله، وتكلفوا في الجواب عن النصوص الواضحة التي لا تقبل التأويل، حتى يقوله بعضهم: هذا الدليل لا يخفى على إمامنا، فلعله منسوخ أو لم يصح عنده ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى بخلاف من يقول: قد يكون للقول الآخر حجة راجحة على هذا النص وأنا لا أعلمها، فيقال له قد قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ والذي تستطيعه من العلم والفقه في هذه المسألة قد دلّك على أن هذا القول هو الراجح، فعليك أن تتبع ذلك، ثم إن تبين لك بعدُ أنَّ للنص معارضا راجحة كان حكمك في ذلك حكم المجتهد المستقل إذا تغيّر اجتهاده، وانتقال الإنسان من قول إلى قول لأجل ما تبين له من الحق هو محمود فيه، بخلاف إصراره على قول لا حجة معه عليه، وترك القول الذي وضحت حجته، أو الانتقال عن قول إلى قول لمجرد عادة واتباع هوى فهذا مذموم. ا هـ.
هذا ويُعَرِّف الأصوليون التقليد بأنه قبول قول الغير من غير حجة وذلك هو التقليد المحض، وهو مشتق من القلادة، وهي الخيط الذي يربط في العنق، فالمقلد منقاد لقول شيخه أو إمامه أينما سار به ووجهه دون أن يكون له اختيار، أو شيء من النظر، وهذا هو التقليد المذموم.
وقد ذكر ابن القيم في الإعلام حجج المقلدين، وجميع ما يتعلقون به، ثم ردّ عليهم من أكثر من ثمانين وجها، وبلغ كلامه على التقليد مائة وعشر صفحات، ونقل عن الأئمة نهيهم عن التقليد لهم أو لغيرهم، كقول أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا. وقد صرّح مالك بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي أنه يستتاب، فكيف بمن ترك قول الله ورسوله لقول من هو دون إبراهيم أو مثله؟
وقال الإمام أحمد الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه، ثم هو بعد مخيّر في التابعين، وقال أيضا: لا تقلدني، ولا تقلد مالكا ولا الثوري ولا الأوزاعي وخذ من حيث أخذوا، وعن الشافعي أنه قال: مثل الذي يطلب العلم بلا حجّة، كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب، وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري، وقال أيضا: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، وغير ذلك من النقول عنهم، كما في الإعلام (2\ 183، 195، 286) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (10\ 211) وغير ذلك.