إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
شفاء العليل شرح منار السبيل
314632 مشاهدة print word pdf
line-top
استعمال الماء الطاهر ولو كان قليلا في رفع حدث

قوله: [ومن الطاهر ما كان قليلا واستعمل في رفع حدث] لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صب على جابر من وضوئه رواه البخاري . وفي حديث صلح الحديبية: وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ويعفى عن يسيره. وهو ظاهر حال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ لأنهم يتوضئون من الأقداح.


الشرح: أي ومن الماء الطاهر ما رفع بقليله حدث مكلف وهو (البالغ العاقل)، أو رفع به حدث صغير يصح الوضوء منه (وهو المميز) فإن هذا الماء يصبح طاهرا لا مطهرا، وعللوا بأن هذا الماء قد استعمل في طهارة فلا يستعمل فيها مرة أخرى، كالعبد إذا أعتق، فلا يعتق مرة أخرى، وهذا التعليل ضعيف لوجوه:
الأول: لوجود الفرق بين الأصل والفرع، فالرقيق لما حررناه لم يبق رقيقة بل أصبح حرا، أما هذا الماء فبقي بعد استعماله ماء لم يتغير فيه شيء.
الثاني: أن الرقيق يمكن أن يعود إلى رقه فيما لو هرب إلى الكفار ثم استولينا عليه فيما بعد، فإن لنا أن نسترقه، بخلاف الماء المستعمل في رفع الحدث- على قولهم-.
فالصواب أن هذا الماء طهور لا طاهر لقوله -صلى الله عليه وسلم- إن الماء لا يجنب وقد صب عليه السلام من وضوئه على جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ يقتتلون على وضوئه، ولأن هذا الماء قد لاقى أعضاء طاهرة فلم تسلبه الطهورية أشبه ما لو تبرد به، فالأصل بقاء الطهورية، ولا يمكن العدول عن هذا الأصل إلا بدليل شرعي يكون وجيها، ومع ذلك فإنه يكره الوضوء به مرة أخرى، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ دائما ولا يحتفظ بغسالة أعضائه في الوضوء، ولا في الغسل، ويقر الصحابة على إضاعة هذا الماء الذي يغسلون به أعضاءهم، ويتركونه ينصب على الأرض، ولو كان مما يستفاد منه في الطهارة لم يتركوه تشربه الأرض، بل كان يأمرهم بالاحتفاظ به، سيما وقد نهاهم عن الإسراف في الماء، وعن الزيادة على ثلاث غسلات، فدل على أن غسالة الأعضاء لا تستعمل مرة أخرى.

line-bottom