إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
شفاء العليل شرح منار السبيل
217485 مشاهدة
الماء الطاهر القليل إذا غمست فيه يد مكلف بعد قيامه من نوم ليل

قوله: [ أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف، النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا، بنية، وتسمية، وذلك واجب] لقوله -صلى الله عليه وسلم- إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده رواه مسلم . ويفتقر للنية لحديث عمر إنما الأعمال بالنيات وللتسمية قياسا على الوضوء. قاله أبو الخطاب


الشرح: أي ومن الماء الطاهر ما كان قليلا وانغمست فيه يد المسلم المكلف النائم ليلا نومة ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثة، والمراد باليد هنا إلى الرسغ- وهو مفصل الكف من الذراع- فلو قام رجل من نوم ليل وعنده قدر فيه ماء فغمس يده فيه إلى حد الذراع، قبل أن يغسلها ثلاثا فإن الماء يكون طاهرا لا طهورا، لقوله -صلى الله عليه وسلم- إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده رواه مسلم
وقد قيدوا هذا بنوم الليل لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده والبيات يكون في الليل لا النهار، قال تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ويؤخذ مما سبق أنه لو غمس يده في ماء كثير لبقي الماء على طهوريته، وهكذا لو غمس فيه رجله لا يده، وهكذا لو غمس الكافر أو المجنون أو الصغير يده فيه لتقييده ذلك بقوله: (المسلم المكلف)، وهكذا لو غمس يده بعد نوم طويل في النهار، فإن الماء يبقى على طهوريته.
هذا ما يلزم من كلام المؤلف.
والصواب في هذه المسألة أن الحديث ينهى الإنسان المكلف عن غمس يده في الماء القليل بعد قيامه من نوم الليل، ولم يتعرض الحديث لحكم الماء، بل إن قوله -صلى الله عليه وسلم- فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده دليل على أن الماء باب على طهوريته؛ لأنها الأصل المتيقن، واليقين لا يرفعه إلا يقين مثله، فلا يرتفع بمجرد الاحتمالات.
فالصواب إذا أن الماء الطهور القليل إذا غمست فيه يد مكلف بعد قيامه من نوم ليل وقبل أن يغسلها ثلاثا أن هذا الماء باق على طهوريته، لعدم الدليل على أن هذا الغمس يسلبه الطهورية، لكن يأثم الغامس لأجل مخالفته لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- السابق، حيث غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثا.
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- العلة في هذا النهي بقوله: فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده أي أن هذه اليد ربما تقع على مكان قذر من الجسد، أو تعبث بنجاسة، أو نحو ذلك، وقد قال-صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه فلعل الشيطان قد عبث بيد هذا النائم وحمل إليها أشياء مضرة للإنسان، أو مفسدة للماء.
وذهب كثير من الفقهاء إلى أن العلة في النهي غير معلومة بل هي تعبدية؛ لأن الإنسان أحيانا قد يعلم أين باتت يده، كما إذا وضعها في قفاز أو نحو ذلك، فهو يعلم أنها لم تمس شيئا نجسة؛ فلهذا قال الفقهاء بأن العلة تعبدية، أي غير معلومة لنا.
وذكر شيخ الإسلام- رحمه الله- علة ثالثة لهذا النهي، وهي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال- كما سبق- إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه فيكون نهيه -صلى الله عليه وسلم- أن يغمس الإنسان يده في الإناء، قبل غسلها ثلاثة من هذا الباب، أي خشية ملامسة يده للشيطان، والله أعلم .
فالحاصل أن القائم من نوم ليل يجب عليه أن يغسل يده ثلاثا، قبل أن يدخلها في الإناء الذي يريد الوضوء منه بعد النية والتسمية كما سيأتي في باب الوضوء- إن شاء الله-.