اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شفاء العليل شرح منار السبيل
223495 مشاهدة
شروط الوضوء

قوله: [وشروطه ثمانية: انقطاع ما يوجبه[ قبل ابتدائه ليصح.
[والنية] لحديث إنما الأعمال بالنيات .


الشرح: بعد أن فرغ المؤلف من ذكر فروض الوضوء شرع في ذكر شروطه، والشرط لغة هو العلامة، قال تعالى عن يوم القيامة: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا أي علاماتها، واصطلاحا: ما لجزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
وأول هذه الشروط (انقطاع ما يوجبه) أي يوجب الوضوء، وهو انقطاع البول والغائط وغيرهما عن نواقض الوضوء كالقيء مثلا، فلا يبتدئ الإنسان وضوءه إلا بعد انقطاع موجبات الوضوء وبعد التنظف منها.
الشرط الثاني من شروط الوضوء النية، وهي عزم القلب على فعل الشيء، وهي ملازمة لكل من يفعل فعلا فالإنسان إذا فعل أمرا فلا بد أن يكون قد نوى شيئا، فليست النية هي تحريك اللسان- كما سيأتي- بل هي العزم على الوضوء، ولو لم يستحضرها من حين يبتدئ وضوءه إلى حين ينتهي.
والنية شرط للطهارة كلها- أي الطهارة الصغرى والكبرى- ولا بد أن ينوي جميع الطهارة، أي لا يكفي أن ينوي بعض الطهارة، مثلا: نوى بوضوئه رفع الحدث وعندما أراد غسل رجليه نوى تنظيفهما لا رفع الحدث ففي هذه الحال لا تجزئه طهارته؛ لأنه نوى بعضها لغير رفع الحدث، وهكذا لو قطع النية في بداية الطهارة ما صحت طهارته.
والنية تجب عند أول واجبات الطهارة وهي التسمية- كما سبق- ومعناها تحريك القلب بالنية لا التلفظ بها، وهي- كما علمنا- ملازمة للإنسان من حين توجهه للوضوء، فإنك لو سألته: إلى أين أنت ذاهب؟ لقال لك: لأتوضأ.
وقد توسع الفقهاء في النية وفرعوا عليها كثيرا من التفريعات وكل هذا تطويل لا حاجة له، والأحاديث النبوية لم تأت بكل هذا؛ لأن النية ملازمة للعبد عند شروعه في الأفعال على اختلاف أنواعها، فالمطلوب تصحيح النية وإخلاصها لله، وهو معنى قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ أما هذه التفريعات الكثيرة التي تجدها في كتب الفقهاء- فهي مما لا دليل عليه، لاسيما قول علماء الشافعية المتأخرين بأنه يلزم التلفظ بالنية، فإن هذا مما ابتدعوه دون دليل عليه. قال ابن القيم - رحمه الله- (النية هي القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلا؛ ولذلك لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه في النية لفظ بحال، ولا سمعنا عنهم ذكر ذلك) .