إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
شفاء العليل شرح منار السبيل
258682 مشاهدة print word pdf
line-top
النية

قوله: [وشروطه ثمانية: انقطاع ما يوجبه[ قبل ابتدائه ليصح.
[والنية] لحديث إنما الأعمال بالنيات .


الشرح: بعد أن فرغ المؤلف من ذكر فروض الوضوء شرع في ذكر شروطه، والشرط لغة هو العلامة، قال تعالى عن يوم القيامة: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا أي علاماتها، واصطلاحا: ما لجزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
وأول هذه الشروط (انقطاع ما يوجبه) أي يوجب الوضوء، وهو انقطاع البول والغائط وغيرهما عن نواقض الوضوء كالقيء مثلا، فلا يبتدئ الإنسان وضوءه إلا بعد انقطاع موجبات الوضوء وبعد التنظف منها.
الشرط الثاني من شروط الوضوء النية، وهي عزم القلب على فعل الشيء، وهي ملازمة لكل من يفعل فعلا فالإنسان إذا فعل أمرا فلا بد أن يكون قد نوى شيئا، فليست النية هي تحريك اللسان- كما سيأتي- بل هي العزم على الوضوء، ولو لم يستحضرها من حين يبتدئ وضوءه إلى حين ينتهي.
والنية شرط للطهارة كلها- أي الطهارة الصغرى والكبرى- ولا بد أن ينوي جميع الطهارة، أي لا يكفي أن ينوي بعض الطهارة، مثلا: نوى بوضوئه رفع الحدث وعندما أراد غسل رجليه نوى تنظيفهما لا رفع الحدث ففي هذه الحال لا تجزئه طهارته؛ لأنه نوى بعضها لغير رفع الحدث، وهكذا لو قطع النية في بداية الطهارة ما صحت طهارته.
والنية تجب عند أول واجبات الطهارة وهي التسمية- كما سبق- ومعناها تحريك القلب بالنية لا التلفظ بها، وهي- كما علمنا- ملازمة للإنسان من حين توجهه للوضوء، فإنك لو سألته: إلى أين أنت ذاهب؟ لقال لك: لأتوضأ.
وقد توسع الفقهاء في النية وفرعوا عليها كثيرا من التفريعات وكل هذا تطويل لا حاجة له، والأحاديث النبوية لم تأت بكل هذا؛ لأن النية ملازمة للعبد عند شروعه في الأفعال على اختلاف أنواعها، فالمطلوب تصحيح النية وإخلاصها لله، وهو معنى قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ أما هذه التفريعات الكثيرة التي تجدها في كتب الفقهاء- فهي مما لا دليل عليه، لاسيما قول علماء الشافعية المتأخرين بأنه يلزم التلفظ بالنية، فإن هذا مما ابتدعوه دون دليل عليه. قال ابن القيم - رحمه الله- (النية هي القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلا؛ ولذلك لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه في النية لفظ بحال، ولا سمعنا عنهم ذكر ذلك) .

line-bottom