الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
شفاء العليل شرح منار السبيل
218262 مشاهدة
باب المسح على الخفين


قوله: [باب المسح على الخفين] : قال ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين اختلاف، وقال أحمد ليس في قلبي من المسح على الخفين شيء، فيه أربعون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: هو أفضل من الغسل لأنه -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إنما طلبوا الأفضل، وعن جرير قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بال ثم توضأ ومسح على خفيه .
قال إبراهيم كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير بعد نزول المائدة. متفق عليه .


الشرح: هذه مقدمة قبل الشروع في الأحكام جاء بها الشارح ليقرر شرعية المسح على الخفين وذلك لأنه قد روي في بعض الآثار- كما في مصنف ابن أبي شيبة وغيره- عن بعض السلف أنهم أنكروا المسح على الخفين ولعل ذلك بسبب أن أدلة هذا الحكم قد خفيت عليهم فلم يعملوا به، فهم معذورون في وذلك، لكن القول الصحيح أن المسح على الخفين ثابت بالأدلة الصحيحة، وكما يقول ابن المبارك ليس في المسح على الخفين اختلاف، وقال أيضا في بعض الروايات: إن الرجل ليسألني عن المسح فأتهمه بأنه صاحب رأي، أو صاحب بدعة
وذلك لأن الذين اشتهر عنهم إنكار المسح هم من المبتدعة، كالرافضة الذين ينكرون المسح مطلقا، ولا يعترفون به، مع أنهم يذهبون إلى مسح القدمين عند الوضوء- كما سيأتي!- فيجوزون مسح القدم عند الوضوء، ولا يجوزون مسح الخفين، ويبالغون في إنكارهم على من يمسح خفيه.
ومن الذين أنكروا المسح على الخفين- أيضا- الخوارج؟ لأنهم لا يعملون بالسنة وإنما يقتصرون على العمل بما في القرآن.
وكذلك كثير من المعتزلة وغيرهم من المبتدعة ينكرون المسح على الخفين.
ولما كان الآمر كذلك أدخل العلماء مسألة المسح على الخفين لا كتب العقائد، كما صنع الطحاوي- رحمه الله- في عقيدته المشهورة وهكذا غيره، وذلك لأن الخلاف فيها وإن كان من الفروع، فهو مع طائفة قد خالفوا في العقائد، فلأجل ذلك ذكرت هذه المسألة في كتب العقائد.
أما ما قاله الإمام أحمد من أن في المسح على الخفين أربعين حديثا، فالظاهر أنه يريد الأحاديث المشهورة والصحيحة فقط، وإلا فقد زادت أحاديث المسح على الخمسين حديثة، حتى ذكر بعضهم أنها تبلغ السبعين أو المائة، وقد تتبعها الزيلعي في (نصب الراية) وأوصلها إلى ستة وخمسين حديثا وذكر أماكنها وطرقها، وتكلم عليها، وقدم منها الأحاديث الصحيحة، وهذا يدل على أن أحاديث المسح على الخفين من قبيل الأحاديث المتواترة.
ثم ذكر المصنف- رحمه الله- حديث جرير - رضي الله عنه- وهو من أصح الأحاديث وأصرحها، وذلك لأن بعضا من الصحابة الذين خفي عليهم المسح على الخفين لما نقل إليهم هذا الحديث قالوا: إنه منسوخ بآية المائدة، أي: أن المسح على الخفين منسوخ بآية المائدة، وهي قوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ .
والصواب أن المسح على الخفين مستمر بعد نزول سورة المائدة؛ لأن جريرا - رضي الله عنه- رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين، وهو- أي جرير- ما أسلم إلا سنة عشر أي بعد نزول سورة المائدة، فدل هذا على أن المسح على الخفين غير منسوخ بآية المائدة كما فهم ذلك البعض.
ومما يشهد لهذا قول جرير - رضي الله عنه- كما في رواية أحمد ما أسلمت إلا بعد أن أنزلت المائدة، وأنا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح بعدما أسلمت