إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
shape
شفاء العليل شرح منار السبيل
268261 مشاهدة print word pdf
line-top
طهارة النجاسة بالاستحالة

قوله: [ويجزئ في تطهير صخر، وأحواض، وأرض تنجست بمائع، ولو من كلب، أو خنزير، مكاثرتهما بالماء، بحيث يذهب لون النجاسة وريحها] لقوله ربط في بول الأعرابي أريقوا عليه ذنوبا من ماء متفق عليه .
[ولا تطهر الأرض بالشمس، والريح، والجفاف، ولا النجاسة بالنار] روي عن الشافعي و ابن المنذر لأمره -صلى الله عليه وسلم- أن يصب على بول الأعرابي ذنوبا من ماء . والأمر يقتضي الوجوب.


الشرح: النجاسة إذا كانت على الأرض فإنها تغسل بالمكاثرة، فيصب عليها الماء حتى تزول عينها- كما سبق-.
وهكذا لو كانت النجاسة على متصل بالأرض، كالبلاط، أو الصخر، أو الأسفلت، أو نحو ذلك، فإن هذه يكتفى فيها بالمكاثرة حتى تزول النجاسة التي عليها، فلا يبقى لها جرم.
وهكذا أيضا يفعل بالنجاسات التي تكون في أماكن قضاء الحاجة، وفي الحمامات، ونحوها، فإنه يكفي مكاثرتها بالماء حتى لا يبقى لها أثر.
والمراد بالأثر: جرمها، لا صبغها ولونها؛ لأنه قد لا يزول بالماء لأن في ذلك صعوبة ومشقة- كما مر معنا قريبا-.
وعلى كل: فدليل هذه المسألة- وهي مكاثرة النجاسة بالماء - هو حديث الأعرابي الذي ذكره الشارح، وهو يدل على أن حكم النجاسات المتشابهة كذلك.
وقد ورد في رواية ضعيفة للحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بنقل تراب المسجد المتنجس، ولكن هذا لا يثبت والصحيح أنه أمر أن يصب على مكان البول دنوبا من ماء، والذنوب هو الدلو الممتلئة، ولا شك أنها أضعاف بول الأعرابي.
ولم يأمرهم -صلى الله عليه وسلم- أن يصبوا عليه الماء شيئا فشيئا، بل أمرهم أن يهريقوه مرة واحدة؛ لأنه إذا كوثر به اختلط بالنجاسة.
فالحاصل: أن النجاسة التي على الأرض يكفي فيها المكاثرة بالماء، ويلحق بها سائر النجاسات.
وهاهنا مسألة: وهي: هل تطهر النجاسة بالاستحالة ؟
في هذا خلاف، وقبل أن نعرف هذا الخلاف نبين معنى الاستحالة، وهي أن النجاسة العينية تنقلب عينا أخرى مخالفة لما هي عليه سابقا، فمثلا: الميتة نجسة، فإذا أحرقت حتى صارت رمادا فهي قد استحالت من كونها لحما، وعظما، وروثا، ونحو ذلك، إلى كونها رمادا.
ومثال ذلك أيضا: الغائط إذا أحرق حتى صار سمادا، أو الخمر التي تستحيل خلا، وهكذا.
فهل الاستحالة تجعل الشيء طاهرا بعد أن كان نجسا؟ في هذا خلافا- كما سبق-.
قال الفقهاء بأنها لا تطهر مادام أنها أصل النجاسة، فحكم النجاسة باو فيها، فهذا الرماد- مثلا- من مخلفات تلك العين النجسة (وهي الميتة)، ومخلفاتها تكون نجسة مثلها.
فعلى قول الفقهاء لو سقط كلب في ملاحة فأصبح ملحا فإنه لا يطهر، ولا يجوز استعمال ذاك الملح.
وذهب بعض العلماء إلى أن النجاسة تطهر بالاستحالة، قالوا: لأن العين تغيرت عما هي عليه، وأصبحت شيئا آخر بصفات أخرى ليست بنجسة، ولعل هذا هو القول الصحيح .
وهاهنا مسألة تتعلق بما سبق وهي حكم الجلالة، وهي ما يتغذى على النجاسات من بهيمة الأنعام، أو الدجاج، ونحوه، فقد أمر الشرع بأن تحبس مدة حتى يطيب لحمها، وقد ورد أن تحبس الأغنام ونحوها سبعة أيام وتحبس الإبل أربعين يوما، ويحبس الدجاج ثلاثة أيام، وهذا الحبس لتنظيف اللحم عما تغذى به.
فالحاصل أن الاستحالة تجعل المستحيل طاهرا. ولكن يفرق بين ما هو متولد من النجاسة، كالصراصر، والدود، والمستقذرات، ونحوها، وبين ما هو منقلب إلى عين أخرى.
أما الرماد، والدخان، ونحوه، فلعل الصحيح أنه قد زال أثر النجاسة فيه، من الرطوبة ونحوها، فيكون حكمه الطهارة، فلو حمله إنسان أو مسه لم يؤمر بغسل ما مسه.
أما قول المؤلف (ولا تطهر الأرض بالشمس والريح والجفاف) فقد ذهب شيخ الإسلام وغيره إلى خلاف هذا، وأن الأرض تطهر بالشمس وذلك لأن الشمس بشدة إحراقها ووقعها على الأرض تطيب ما وقعت عليه، فيزول أثر النجاسة معها.
وهكذا الريح لو تواترت على المكان المتنجس فإنها تزيل ما فيه.
أما الفقهاء فقد ذهبوا إلى أن الشمس والريح لا يطهران المكان المتنجس لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بصب الماء على البول الذي وقع على الأرض ولم يتركه حتى تطهره الشمس.
والجواب عن هذا أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بذلك لأنه لا يأمن أن يصلي أحد على ذلك المكان المتنجس قبل جفاف البول، أو قبل أن تأتيه الشمس فتزيله، وقد يكون ذلك المكان محجوبا عن الشمس.
ومن العلماء من خص تطهير الشمس بالصحراء؛ لأن الأرض الفسيحة في الغالب يزول أثر النجاسة فيها بكثرة الريح، وبطلوع الشمس وغروبها عليها.

line-bottom