إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شفاء العليل شرح منار السبيل
217755 مشاهدة
الوطء في الفرج

قوله: [ويحرم بالحيض أشياء: منها الوطء في الفرج] لقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ


الشرح: الأشياء التي تحرم بالحيض منها، ما يتعلق بالرجال،ومنها ما يتعلق بالنساء، فالذي يتعلق بالرجال كالطلاق والوطء.
أما وطء الحائض فهو محرم على زوجها، وقد استدل له الشارح بقوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ فقد أمر سبحانه بعدم إتيانهن أثناء الحيض.
والمحيض هو مجرى الدم الذي هو الفرج، ومعنى هذا أنه لا يلزم اعتزالها في المجالسة، والمؤاكلة، والمشاربة، وكذا المباشرة فيما دون الفرج؛ لأن النص اقتصر على المحيض فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ يعني في مجرى الحيض.
وقد ورد أن اليهود كانوا إذا حاضت فيهم المرأة لم يجالسوها، ولم يؤاكلوها، ولم يخالطوها في البيوت، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: افعلوا كل شيء إلا الجماع فقالت اليهود: ما يريد هذا إلا أن يخالفنا في كل شيء من شرعنا، فجاء بعض الصحابة وقالوا: إن اليهود قالوا، كذا وكذا، ألا نجامعهن؟ فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- واشتد غضبه من هذه الكلمة لما فيها من صريح المخالفة .
وليعلم أن الله تعالى ما نهى عن وطء الحائض إلا لأنه أذى وضرر بلا شك، وهكذا فيه من القذارة والنجاسة ما فيه.
وقد جاءت السنة بإباحة مباشرة الرجل امرأته فيما فوق الإزار ونحوه وهي حائض، وقد ذكرت عائشة - رضي الله عنها- أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر أزواجه وهن حيض تلبس إحداهن إزارا فوق- العورة التي هي من السرة إلى الركبة ثم- يباشرها فيما عدا ذلك ؛ لأن المحذور. إنما هو- كما علمنا- الوطء في الفرج، وما عدا ذلك- من المباشرة فهو داخل في الإباحة، لقوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ .
وقد ذكرنا سابقا أن الحيض خلق لحكمة تغذية الجنين قي الرحم، فإذا ابتدأ خروجه فإن الوطء فيه لا ينعقد. معه ولا عادة، بل ذكر أيضا أن الوطء في آخر الطهر لا يكون معه حمل غالبا؛ لأن ذلك المني يختلط بالحيض، ثم بعد ذلك يمجه، أو يخرج ممتزجا بالدم، لكن الوطء جائز ما لم تكن المرأة حائضا.
وأما الاستحاضة التي هي جريان الدم في غير محله- كما- سيأتي إن شاء الله- فإن كثيرا من العلماء كره الوطء معها لأنها أذى، فهي داخلة في قوله تعالى عن الحيض بأنه أذى.
ولكن الراجح أن الوطء حال- الاستحاضة جائز ؛ لأن. كثيرا من نساء الصحابة كن ممن تصيبهن الاستحاضة، ومع ذلك لم ينقل أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر أزواجهن باجتنابهن حال الاستحاضة، فدل هذا على أن الممنوع منه هو الوطء في الحيض.